نقل الإمام القرطبي المفسر عن الإمام أبي جعفر الطبري قال: سمعت الجَرْميَّ يقول:» أنا منذ ثلاثين سنة أُفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه «.
قال محمد بن يزيد (أي المبرد) : وذلك أن أبا عمر الجَرْميَّ كان صاحب حديث؛ فلما علم كتاب سيبويه تفقه في الحديث، إذ كان كتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفسير، ثم ينظر في السنن المأثورة الثابتة عن رسوله صلى الله عليه وسلم، فبها يصل الطالب إلى مراد الله عز وجل في كتابه، وهي تفتح له أحكام القرآن فتحاً أ. هـ (١) .
ولعل قائلاً يقول: إن هذه الطريقة تؤدي إلى تقليل كمية الأحاديث المقرر شرحها في الفصل الدراسي الواحد.
ويُرَدُّ عليه بأن دراسة عشرة أحاديث في فصل واحد على هذا النحو الشمولي أكثرُ عوداً بالنفع والفائدة على الطالب من دراسة ثلاثين حديثاً لا تربطه بعلوم الحديث، وتقف به عند دراسة بعض فوائد المتن، وتجعله غير ملم بتنوع موضوعات السنة، ولا يعرف كيف يرد على الشبهات التي تثار حول بعض الأحاديث، وتصرفه عن الاهتمام بالعلوم المساعدة لفهم النصوص النبوية.
إن شرح متونِ أحاديثَ ذاتِ صبغة واحدة (فقه أو عقيدة، أو سلوك) يمكن أن يقوم به أي أستاذ متخصص في تلك العلوم، ولا يتطلب متخصصاً في علوم السنة، أما الشرح وفق الطريقة التي ذكرتها لا يتمكن من الوفاء بها إلا أهل الحديث الشريف بلا مزاحمة.
لذا ينبغي إعادة النظر في صياغة مناهج شروح الحديث الشريف في الجامعات فلا يكون همها كثرة عدد الأحاديث المشروحة بقدر نوعية الشرح ومدى استيعابه للعناصر اللازمة له، ومدى التصاقه بأهله المختصين به.
هل توجد مؤلفات معاصرة تفي بهذا الغرض؟
(١) تفسير القرطبي ١/٢١-٢٢ المقدمة، باب ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به ولا يغفل عنه.