وقد أصبح اليوم من اللازم مراجعة مفهوم التكوين المستمر في العلوم كافة، وعلم السنة على وجه الخصوص. فالحاجة إلى منهج متكامل يأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب: الفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي تفرض نفسها فرضاً، وأصبح لزاماً على المؤسسات العلمية أن تبذل جهوداً منظمة من أجل الارتفاع بالمسلم إلى المستوى الذي يؤهله للخلافة في الأرض.
ووعينا بهدف التكوين المستمر يجب أن يكون معمقاً، خاصة إذا ربطناه بدوافع مختلفة تجعل المنتهي يعود إلى الدراسة:
ـ تغيير المركز الاجتماعي.
ـ الترقي في سلم الوظيفة.
ـ أو الاستزادة من أسرار الصدمة الحديثية حتى يكون رأساً فيها.
وصدق الشاعر عندما قال:
رأيت العلم صاحبه كريم......ولو ولدته آباء لئام
وليس يزال يرفعه إلى أن......يعظم أمره القوم الكرام
ويتبعونه في كل حال......كراعي الضأن تتبعه السوام
فلولا العلم ما سعدت رجال......ولا عرف الحلال ولا الحرام
ولعل من حسنات التكوين المستمر، إلى جانب التحصيل العلمي، الاستمرار في الطلب حيث يورث طمعا متجددا للحياة، ويبث الشعور بالنشاط ويجدد الثقة بالنفس، لأن الطالب يفهم من خلال إقباله على هذه الحلقات العلمية أشياء جديدة، ويصقل معلوماته القديمة ويحاور غيره ممن يلتقي به أثناء التلقي، ويتعلم التعاون على البر، ويضطر لمقارعة الحجة بالحجة، كما أنه يرتب أفكاره ويجعل لها قالبا جديدا، بالإضافة إلى الأثر الذي يحدثه في محيطه.
وبناء على ما تقدم نقرر:
أن الذي يعود إلى هذه الحلقات بعد قطيعة يجد معالم جديدة، توفر له فرصة الانطلاق من جديد.
ونقرر أيضا أن العقل يفسد عندما يعتريه الكسل والخمول إذا اقتصر على القليل، أو النظرة الوحيدة، وبعبارة أخرى أحادية المرجع، فصاحب هذا الإتجاه تتبلد أفكاره ويردد أفكار غيره مثل الببغاء، والتقليد كما قال شيخنا عبد الله بن الصديق -رحمه الله- لا يأتي بخير.