للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد استمرَّ التدوين في هذا القرن، حتى إنك لترى في أواخر هذا القرن بوادرَ تَرَفٍ علميّ في تدوين السنة، بِمِثْلِ التصنيف على منهج المشيخات (١) ، وهذا الترف العلمي يدل على أن التدوين لم يَعُدْ يلحظ خطراً على السنة من تَفَلُّتِ شيءٍ منها. ولن يصلَ علماءُ السنة إلى هذا الشعور، إلا إذا اكتمل تدوين السنة تماماً، وأصبحت كُتُبُ السنة أوعيةً شاملة لجميع الروايات المدوّنة والشفهيّة التي تناقلها الرواة خلال قرونِ السنة الثلاثة هذه، وأنه لم تعد هناك رواية شفهيّة غير مدوّنة.

وهذا ما أرّخه الإمام الذهبي، حيث جعل رأس سنة ثلاثمائة الحدّ الفاصل بين أصحاب الروايات الشفهيّة ومَنْ بعدها مِمّن لا يروون إلا المدوّنات (٢) .

إننا في هذا القرن نصل مرحلة النهاية في باب التدوين، وهي نهايةٌ تناولت حفظَ السنة من الضياع، فلم يَعُدْ يُسمح لأحد أن يَدّعي وجود رواية شفهيّة لديه غير مزبورة في أحد الدواوين.

- أما في باب النقد: فبعد أن قرّرنا نظريًّا أن اكتمال التدوين يعني بلوغ منهج النقد مرحلة الاكتمال أيضاً، فيبقى بيانُ ذلك واقعيًّا:


(١) تحدثتُ عن دلالة المشيخات على هذا المعنى في دراستي عن علم المشيخات في مقدّمة تحقيق أحاديث الشيوخ الثقات لأبي بكر الأنصاري (١/٢٢٣ - ٢٢٥) .
(٢) ميزان الاعتدال (١/٤) .
وقد تكلمتُ عن هذا التحديد في كتابي المنهج المقترح (٥٢ - ٥٥) ، واستدللتُ لصحّته بكلامٍ للحاكم والبيهقي، وأضف على ما هناك كلاماً آخر للحاكم في معرفة علوم للحديث (١٦ - ١٧) ، وفي المدخل إلى الإكليل (٤٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>