للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد تحدّثت عن طرف مهمّ من هذا الخطأ المنهجي في كتابي المنهج المقترح، وذلك بما أسميته بـ (فكرة تطوير المصطلحات) ، وهي تقرير معانٍ لمصطلحات الحديث غيرِ معانيها عند أهل الاصطلاح، مع العلم بهذا التغاير، ثم التعامل مع كلام أهل الاصطلاح وفق هذا المعنى الجديد ومحاكمتهم إليه (١) .

لقد أباح بعضُ أهل العلم لنفسه أن يقع في هذا الخطأ الكبير، الذي هو في واضحِ حقيقته مشاحّةٌ في الاصطلاح، لا وَجْه لها. وهو في خافي حقيقته منازعةٌ لأهل الاصطلاح ممن ليس من أهله فيما ينازعهم فيه. ذلك أن الذي يأتي إلى علم مكتملِ القواعد والأصول، مُقرَّرٍ بألفاظٍ وتعابير اصطلاحيّةٍ سابقةٍ له، كان ينبغي عليه أن يأخذ هذا العلمَ كما هو عن أهله، ولا داعي إلى تغيير مصطلحاته (٢)


(١) لذلك أمثلة متعدّدة ذكرت بعضها في المنهج المقترح، لكني أحيل هنا إلى مثال آخر، فانظر موقف الحافظ من وصف أبي داود لحديث بأنه منكر في النكت (٢/٦٧٧ - ٦٧٨) ، ومن وصف أبي حاتم لحديث آخر بأنه منكر أيضاً، كما في اليواقيت والدرر للمناوي (١/٤٢٦ - ٤٢٧) .
(٢) وهذا يذكّرني بما أخذه ابن الصلاح على البغوي في كتابه المصابيح من إطلاقه (الحسن) على ما أخرجه أصحاب السنن، حيث قال (٣٧) : ((فهذا اصطلاحٌ لا يُعرف، وليس الحسن عند أهل الحديث عبارةً عن ذلك، وهذه الكتب تشتمل على حسن وغير حسن)) .
ووافقه على هذا الانتقاد النووي (انظر: تدريب الراوي ١/١٧٩) .
وأيّدهما الزركشي في النكت (١/٣٤٣) ، قائلاً: ((نعم، في السنن أحاديث صحيحة ليست في الصحيحين، ففي إدراجه لها في قسم الحسن نوع مشاحّة)) .
ولذلك أبى البُلْقِيني الجوابَ عمّا وقع من البغوي بأنه اصطلاح له ولا مشاحة في الاصطلاح، بقوله في مقدّمة ردّه على هذا الجواب: ((ولا يُقال: الاصطلاحات لا مشاحةَ فيها)) . (محاسن الاصطلاح ١٨٣) .

وهذه المسألة من مشاهير مسائل الحديث الحسن في كتب المصطلح، فانظر النكت لابن حجر (١/٤٤٥ - ٤٤٦) ، وفتح المغيث للسخاوي (١/٩٩ - ١٠٠) ، والبحر الذي زخر للسيوطي (٣/١١٤٢ - ١١٤٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>