للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - من هُمْ الذين صنّفوا في أصول العلم وفروعه، فكانت مصنفاتهم هي عمدة من جاء بعدهم؟ حتى إنّه لا يَتَمايزُ الذين جاؤوا من بعدهم إلا بَقَدْر اغترافهم من تلك المصادر الأولى، فهي المورد الذي يصدر عنه كل المتأخرين، وعلى قدر عَبِّهم منه يتفاضلون.

٥ - من هم الذين لا سبيل لنا إلى العلم بعلوم السنة إلا إن عرفنا منهجهم، وتفقّهنا في كلامهم، وفهمنا مآخذَ أحكامهم، وأدركنا مقاصدهم في اصطلاحاتهم؟ ومن هُمْ الذين إذا لم نعرف منهجهم ولم نفقه كلامهم، ولم نفهم مآخذ أحكامهم، ولم ندرك معاني مصطلحاتهم كانت علوم السنة علينا أبعد لها من طالب لها بعلم الفلك أو الطب؟!!

٦ - من هم الذين إذا اختلف المُصَنّفُون في علوم الحديث ومصطلحه، في تقرير قاعدةٍ من قواعده، أو في تفسير مصطلح من مصطلحاته، كانت أقوالُهم وتصرّفاتُهم هي المُحْتَكَمَ إليها والمُسْتَدَلَّ بها في تصويب تقرير على تقرير وفي ترجيح تفسير على تفسير؟ (١)


(١) قِفْ على هذه المواقف الموفّقة منهجيًّا لبعض أهل العلم:
١ - يقول ابن الصلاح في مبحث الحديث الحسن، مبيّناً المنهج الذي سار عليه للتعريف به (٣١) : ((وقد أمعنتُ النظر في ذلك والبحث، جامعاً بين أطراف كلامهم، ملاحظاً مواقع استعمالهم، فتنقّح لي واتّضح أن الحديث الحسن قسمان..)) .
٢ - ويقول رشيد الدين العطار (ت٦٦٢هـ) في غرر الفوائد المجموعة (٢٩١) ، وهو يقرّر معنى المرسل: ((على أن جمهور المتقدّمين من علماء الرواية يُسمّون ما لم يَتّصل إسناده مرسلاً..)) .
٣ - وبيّن ابن دقيق العيد (ت٧٠٢) مَنْهَجَ فهم المصطلحات قائلاً في مبحث الحديث الحسن، في كتابه الاقتراح (١٩٣) : ((لكن من أراد هذه الطريقة فعليه أن يعتبر ما سمّاه أهل الحديث حسناً، ويحقق وجودَ الصفات التي يجب معها قبول الرواية في تلك الأحاديث)) .

٤ - ولمّا بلغ التشدُّدُ للمتقدّمين إلى حدّ إنكار تعريف المصطلحات التي لم يُعَرّفوها، قال الزركشي في نكته (١/١٠١) : ((وأيًّا ما كان، فالتحديد مُقْتَنَصٌ من استقراء كلامهم في ذلك، فلا معنى لإنكاره)) .
٥ - وانظر كيف انتقد الحافظ ابن حجر من سَوَّى بين المرسل والمنقطع بقوله (٥٧) : ((ومنْ ثَمّ أطلق غير واحدٍ ممّن لم يُلاحظ مواقع استعمالهم على كثير من المحدثين أنّهم لا يُغايرون بين المرسل والمنقطع)) .
٦ - وانظره أيضاً كيف انتقد ابن عبد البر في تعريفه بالمسند، ولم يَقُلْ إنه اصطلاحٌ خاصٌّ به، عندما قال في النزهة (١١٥) : ((وأَبْعَدَ ابنُ عبد البر حيث قال: المسند المرفوع، ولم يتعرّض للإسناد، فإنه يصدق على المرسل والمعضل والمنقطع إذا كان المتنُ مرفوعاً، ولا قائل به)) .
٧ - وانظره أيضاً كيف وَسَّع دلالة مصطلح المعضل بناءً على أحكام الأئمة النقاد، كما في النكت (٢/٥٧٩) ، منتقداً إغفال ذلك المعنى الجديد في كتب المصطلح بقوله:» وفي الجملة: فالتنبيه على ذلك كان متعيّناً «.
٨ - وأنظره أيضاً في بيان دلالة للعنعنة لم يذكرها أحدٌ قبله، فيقول في النكت (٢/٥٨٦) :» وإذا تقرّر هذا فقد فاتَ المصنِّفَ حالةٌ أخرى لهذه اللفظة، وهي خفيّةٌ جدًّا، قلَّ من نبَّهَ عليها، بل لم يُنَبّه عليها أحدٌ من المصنّفين في علوم الحديث، مع شدّة الحاجة إليها «.
٩ - وانظره كيف يحيل في تقرير قواعد العلم إلى أئمة النقد، كما فعل في زيادة الثقة (النزهة ٦٩ - ٧٠) ، وفي الترجيح بين الروايات المختلفة (النكت ٢/٧١٢) .
وغير ذلك كثيرٌ، ويعارضه مواقفُ أخرى ليست قليلةً أيضاً!!!.

<<  <  ج: ص:  >  >>