من أذى أدعياء العلم في عصره حَسَدًا منهم لمكانته ما يُبْكي تَذكُّرُهُ المُقَلَ ويهون بعده كل اعتداء على العلماء ينالهم من أهل الحشو والجُمود.
ومن قرأ تاريخَ رجالنا في القرون الثلاثَةِ التالية أي في القرن الثامن والتاسع والعاشر أو القرون الثلاثة التي سبقتها أي الخامس والسادس والسابع يعرف أن كثيرين قضوا شهداء أفكارهم، وعُذِّبوا وأوذوا في سبيلها؛ لأنهم رأوا غير ما رآه العلماء الرسميون، ومن مَالأَهم من أرباب الزَّعاماتِ في أيامهم.
ومنذ اضطر مِثْلُ حُجَّةِ الإِسلام أبي حامد الغزالي في القرن الخامس أن يَهْجُرَ العراق تخلصًا من حاسديه الذين لا يعدمون عندما تصبح إرادتهم حُجَّةً للاستعانة بالسلطة الزمنية للنيل مِمَّن أربى عليهم، وإِيقافِ تيار أفكاره إِلى عصر ابن تيمية الذي ناله ما ناله في مصر والشَّام حَتَّى قَضَى في سجنِ دمشق شهيد الإِصلاح، إِلى أن جاء القرن العاشر والذي يليه من القرون، وقد أصبحت العلوم رسميَّة والمدارس صُوريةً، والأوقاف المحبوسة على العلماء مأكولةً مهضومة.
منذ جرى كُلّ هذا والأمة لا تكادُ تفرحُ لها بِعَالمٍ حقيقيٍّ يكسرُ قيودَ التَّقليد، ويقولُ بالأخذ من كُلِّ علمٍ، فَنَدَرَ النُّبوغُ؛ لأَنَّه نَدَرَ أن يلقى العالم ما يُنَشِّطُ عزيمته.
وكان قُصارى من تَسمو به الهمةُ إِلى أخذ نفسه بمذاهب التَّعلم والتعليم أن يقتبسَ من كُتُب الفروع ما لا يخرج به عن مألوف معاصريه.
ومن حكَّم عقله في بعض المسائل كان اتهامه بأمانته من أيسر الأشياء، وطرده من حظيرة الحَظوة لدى العامَّة، ومن سَمّوا أنفسهم بالخاصَّةِ من الأمور المتعارفة.