أما التضليل والتكفير والتبديع والتفسيق، فهذا لا يخلو منه عالم يريد أن يخرجَ بالنَّاس من الظلماتِ إِلى النُّورِ.
ولكن إرادة المولى سبحانه قضت بأن لا تحرِمَ هذه الأُمة من أعلام يَصْدَعونَ بالحَقِّ؛ فَيُجددونَ لها أمر دينها، ويستَطيبونَ الأذى في إِنارَةِ العُقولِ والرُّجوعِ بالشَّرعِ إِلى الحَدِّ الذي رَسَمَهُ الشَّارِعُ وأصحابه، والتابعون، والأئمة الهادون المهديُّون.
• ومن هؤلاءِ المُجددينَ نابِغَةُ دمشق فقيدنا العزيز السَّيد جَمالُ الدِّينِ القَاسِمي الذي يعرِفُهُ قُراءُ هذه المجلة (١) بما نشرهُ في سِنِيِّها الماضية من آثارِ عِلْمِهِ وأدبه، فقد قضى حياة طَيبةً، ولم يعقهُ عن الاشتغالِ ما لقيه من تثبيطِ المُثَبِّطينَ في أول أمره، وتنغيصِ الحاسدينَ في أواسط عُمْرِهِ مِمَّن لا يخلو منهم مصر ولا عصر، خصوصًا في بلادٍ يستمد منها كل شيء من ولاة أمرها.
• نشأ السَّيد القاسمي في بيتِ فَضْلٍ وفضيلة، وكان والدهُ وَجَدُّهُ من المعروفين بالأدب، ومكارمِ الأخلاق.
وهذا من النَّوادرِ في عصر لا يكبر رجاله في العيون إِلَّا على مقدار عدهم في صفوف أهل الرَّسمِ، وفي دور قل أن يُنجبَ فيه ولدٌ لنجيبٍ فصم أوتصامَمَ منذ أوائل سِنِّ التَّحصيلِ عن كُلِّ ما يقف عثرةً في سبيل الطَّالِبِ، فكانَ منذ وعى على نفسه يعملُ على تهذيبها، ولا يكادُ يمضي عليه يوم لم يستفد منه فائدة، ولم يقيد شاردةً، فظهرت عليه مخايلُ النُّبُوغِ