بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[تقديم]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد. .
فلقد تذكرت، عندما قرأت الأسئلة العشرة، التي تدور حول "شبهات" يثيرها خصوم الإسلام، أو الجاهلون بحقيقته، إزاء القرآن الكريم. . . تذكرت سنة الله، التي لا تبديل لها ولا تحويل. . سنة التدافع الفكري بين الحق والباطل على امتداد التاريخ الإنساني، عبر الثقافات والحضارات. .
هذا التدافع الفكري هو السبيل الحافز لتبليغ دعوة الحق، وإقامة الحجة على صدقها، وإزالة الشبهات عنها. . وفي ذلك أداء للفريضة التي افترضها الله، سبحانه وتعالى، على كل الذين أنعم عليهم بنعمة الإسلام.
بل إن هذا التدافع الفكري هو السبيل لتنشيط ملكات وطاقات العقل المسلم، كي يواكب المستجدات في ميادين هذا التدافع. . فلكل عصر شبهاته، ولكل مذهب من المذاهب الضالة سهامه التي يصوبها نحو الحق وأهله. . وصدق الله العظيم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (الأنعام: ١١٢) .
والمسلمون إذا لم يهتموا بالنظر في الشبهات التي يثيرها الخصوم - المغرضون منهم والخصوم - حول القرآن وعلومه، والسنة النبوية وعلومها، والإسلام وحضارته وأمته، سيصاب عقلهم بالكسل والتبلد، وستغلبهم الشبهات الباطلة، الأمر الذي يزعزع يقينهم الإيماني. . وذلك فضلاً عن تفريطهم في فريضة إقامة الدين، وتبليغ دعوته، وإقامة حجته، وإزالة الشبهات عن عقائده وشريعته ومبادئه وقيمه. .
ولقد علمنا القرآن الكريم أن هذا التدافع الفكري هو السبيل للتقدم، وانتصار الحق على الباطل، وحلول الصلاح محل الفساد {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة: ٢٥١) ، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الححج: ٤٠) ، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: ٣٣، ٣٤)
كذلك يعلمنا القرآن الكريم ضرورة الاهتمام بما يثيره الآخرون حول الإسلام، وانظر فيه، ودفع باطله بالحق الذي نتعلمه من فقه الإسلام. . فالقرآن لم يتجاهل الشبهات التي أثارها المشركون ضده - فضلاَ عن أن يصادرها - وإنما تتبعها، وذكرها في سوره وآياته، وقام بتفنيدها، حتى ما كان منها متهافتاً. . استوت في ذلك شبهاتا أهل الكتاب - من اليهود والنصارى - مع شبهات المشركين والدهريين. . لقد كان القرآن الكريم هو الذي يسعى لاستنطاق الخصوم ما لديهم من "علم" أو "أثارة من علم" أو "برهان" على هذا الذي يعتقدون: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} (الأنعام: ١٤٨) ، {السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (الأحقاف: ٤) ، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: ١١١) .
بينما كان مذهب المشركين ومنهاجهم هو التجاهل وعدم الاستماع والصد والصدود عن سماع القرآن. . كانوا يقولون لأتباعهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (فصلت: ٢٦) .
لذلك كله، كان إقبالي على الإجابة عن هذه الأسئلة العشرة - التي قدمت نماذج متنوعة لما يثار حول القرآن الكريم من شبهات - لوناً من أداء الواجب الجامع بين المهمة العلمية والرسالة الدينية معاً. .
وأرجو الله، سبحانه وتعالى، أن يكون الصواب حليفي في هذه الإجابات. . وان يجعل الجهد الذي بذلته في ميزان حسناتي، وميزان حسنات الذين يفقهون هذه الإجابات على هذه الشبهات. . إنه سبحانه أعظم مسئول وأكرم مجيب.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه من والاه..
د. محمد عمارة
السابق التالي