ومن عجب أن القائمين منا على مبادئ التشريع الحديث، والذابين عنها، لا تكاد تجد لهم اجتهاداً مستقلاً، أو رأياً خاصاً، إلا في القليل النادر. إنما همهم الاحتجاج بآراء الأوربيين، من مختلف الشعوب والأمم، صغرت أو كبرت، جلت أو حقرت، ثم يلمؤون ماضغيهم بها فخراً!! فكأننا أبينا أن نقلد أئمة المسلمين، لنتخذ من دونهم أئمة آخرين!!
أيها السادة!
إن أكبر الكبائر في الإسلام ترك الصلاة عمداً، ثم قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وقد جعل الله لكم في القصاص حياة، وكتب علينا كما كتب على من قبلنا أن النفس بالنفس. ولم يرد في الكتاب ولا في السنة شرط لوجوب القصاص إلا أن يكون القتل عمداً، ولم يأذن الله بالعفو عن القصاص لأحد إلا لولي الدم وحده، لم يخالف في ذلك أحد من المسلمين، لا من المجتهدين ولا من المقلدين. ومع ذلك فإن هذه القوانين، التي تحكمون بها، شرطت في القصاص شرطاً لم يشرطه الله، ولم يقل به أحد من المسلمين، ولا موضع له في النظر السليم، فأباحت به الدم الحلال، وكان له أثر كبير فيما نرى من كثرة جرائم القتل. ذلك أن المادة (٢٣٠ من قانون العقوبات) شرطت في عقاب القاتل بالإعدام العمد "مع سبق الإصرار والترصد" وأكدت ذلك المادة (٢٣٤) فنصت على أن "من قتل نفساً عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة".