فيما صنعوا ووضعوا، لتنسيقه وتهذيبه، ثم صوغه في الصيغة القانونية الدقيقة. فيعرض كاملا على الأمة، ليكون موضع البحث والنقد العلمي، حتى إذا ما استقر الرأي عليه، عرض على السلطات التشريعية، لإقراره واستصدار القانون للعمل به.
وأول ما يجب على اللجنة العليا عمله، أن تدرس، بنفسها أو باللجان الفرعية، مسائل علم أصول الفقه، ومسائل علم أصول الحديث (مصطلح الحديث) لتحقيق كل مسألة منها وتوحيد منهج الاستنباط من الأدلة. فتحقق المسائل التي يرجع فيها لدلالة الألفاظ على المعاني في لغة العرب، من نحو الحقيقة والمجاز، والعام والخاص، والصريح والمؤول، المفسر والمجمل، وسائر قواعد الأصول، كأبواب القياس والاستحسان والمصالح المرسلة، وما إلى ذلك.
وتحقق القواعد في نقد رواية الحديث ورواته، من ناحية المتن وناحية الإسناد، وما يكون به الحديث صحيحاً يصلح للاحتجاج ويجب الأخذ به، وما يكون به ضعيفاً لا يصلح للاحتجاج.
وتحقق القاعدة الجليلة الدقيقة، التي لم يحققها أحد من العلماء المتقدمين، فيما نعلم، إلا أن القرافي أشار إليها موجزة في الفرق السادس والثلاثين من (كتاب الفروق)(ج١ ص:٢٤٩ - ٢٥٢ طبعة تونس) وهي الفرق بين تصرف رسول الله بالفتوى والتبليغ، وبين تصرفه بالإمامة، وبين تصرفه بالقضاء. وهو بحث أساسي لدرس الأحاديث والاستدلال بها درساً صحيحاً، فيفرق به بين الأحاديث التي لها صفة العموم والتشريع،