ولكن الله أراد أن يوفقه للإبانة عن ذات نفسه، والكشف عن خبيئة قلبه، ليوقن الناس أن بدعة الحروف اللاتينية جزء من خطة مرسومة واضحة مدمرة، يظن أصحابها أن سيفلحون.
وذلك أنه أراد أن يرد على الكاتب القدير:"السيد محب الدين الخطيب" في نقده بدعته، وأن يسوطه بلسانه الحاد، فوجد من أبرز عيوبه عنده أنه يدعو إلى العمل بالشريعة الإسلامية بدلاً من القوانين الأجنبية، فثارت ثائرته، وأخذته الحمية، غيرة على مقدساته أن تُنتقص من أطرافها، أو خشية أن تقتلع من جذورها، فتعود الأمة المصرية عربية الثقافة، عربية التفكير، عربية الدين. فذهب يهزأ بكل التشريع الإسلامي، ويسخر من علماء الإسلام، فإذا اضطره هواه أن يكرمهم بالقول خديعة للناس، افترى عليهم ورماهم بما إن صدق فيه كانوا غير مسلمين.
وسأنقل لكم بعض قوله في ذلك كله بحروفه، معرضاً عن فضول القول، مما سود به صحف كتابه، فاقرؤوا واعجبوا.
قال معاليه:"ولأني، من ناحية أخرى، رأيت أن له -يعني السيد محب الدين -غرضاً أساسياً يسعى إليه، هو تسويء كل القوانين الوضعية القائمة الآن في البلاد، والرجوع إلى ما بناه الفقهاء الأكرمون من صرح الشريعة الغراء، وهو غرض مهم في ذاته، ومن شأنه أن يدفع إلى الإشادة بما ترك الليث بن سعد وباقي السلف الصالح من الآثار، كما يدفع إلى النعي على كل حادث يُتوهم منه المساس بتلك المخلفات" ص٤٠.