فقد اعتاد الملوك والأمراء، واعتادت الحكومات في البلاد التي فيها حكومات منظمة وقوانين، أن يأمروا بأعمال يرى المكلف بها أن لا مندوحة له عن أداء ما أمر به.
وصارت الرعية، في هؤلاء وهؤلاء، لا يطيعون فيما أمروا به إلا إن يوافق هوى لهم أو رغبة عندهم، وإلا اجتهدوا أن يقصروا في أداء ما أمروا به، ما وجدوا للتقصير سبيلاً، لا يلاحقهم فيه عقاب أو خوف.
وكل هذا باطل وفساد، تختل به أداة الحكم، وتضطرب معه الأنظمة والأوضاع، إذ لا يرون أن الطاعة واجبة عليهم، وإذ يطيعون -في بعض ما يطيعون- شبه مرغمين إذا لم يوافق هواهم ولم يكن مما يحبون.
أما الشرع الإسلامي: فقد وضع الأساس السليم، والتشريع المحكم، بهذا الحديث العظيم. فعلى المرء المسلم أن يطيع من له عليه حق الأمر من المسلمين، فيما أحب وفيما كره، وهذا واجب عليه، يأثم بتركه، سواء أعرف الآمر أنه قصر أم لم يعرف، فإنه ترك واجباً أوجبه الله عليه، وصار ديناً من دينه، إذا قصر فيه كان كما لو قصر في الصلاة أو الزكاة أو نحوهما من واجبات الدين التي أوجب الله.
ثم قيّد هذا الواجب بقيد صحيح دقيق، يجعل للمكلف الحق في تقدير ما كُلِّف به، فإن أمره من له الأمر عليه بمعصية، فلا سمع ولا طاعة، ولا يجوز له أن يعصي الله بطاعة المخلوق، فإن فعل كان عليه الإثم، كما كان على من أمره، لا يُعذر عند الله بأنه أتى هذه المعصية بأمر غيره، فإنه