وإن العمل بها في بلاد المسلمين غير جائز، حتى فيما وافق التشريع الإسلامي، لأن من وضعها حين وضعها لم ينظر إلى موافقتها للإسلام أو مخالفتها، إنما نظر إلى موافقتها لقوانين أوربة أو لمبادئها وقواعدها، وجعلها هي الأصل الذي يرجع إليه، فهو آثم مرتد بهذا، سواء أوضع حكماً موافقاً للإسلام أم مخالفاً.
وقد وضع الإمام الشافعي قاعدة جليلة دقيقة في نحو هذا، ولكنه لم يضعها في الذين يشرعون القوانين عن مصادر غير إسلامية، فقد كانت بلاد الإسلام إذ ذاك بريئة من هذا العار، ولكنه وضعها في المجتهدين العلماء من المسلمين، الذين يستنبطون الأحكام قبل أن يتثبتوا مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، ويقيسون ويجتهدون برأيهم على غير أساس صحيح، فقال في الكتاب (الرسالة) رقم: ١٧٨ بشرحنا وتحقيقنا:
"ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب -إن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة، والله أعلم، وكان بخطئه غير معذور، إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه".
ومعنى هذا واضح: أن المجتهد في الفقه الإسلامي، على قواعد الإسلام، لا يكون معذوراً إذا ما كان اجتهاده على غير أساس من معرفة، وعن غير تثبت في البحث عن الأدلة من الكتاب والسنة، حتى لو أصاب في الحكم، إذ تكون إصابته مصادفة، لم تبن على دليل، ولم تبن على يقين، ولم تبن على اجتهاد صحيح.