ثم لا يدخل المدارس العالية -قل: الجامعة- حتى يكون من أساطين الملحدين المجددين، فدينه محقر في نظره السامي!
وأهله جامدون، ومعلموه المتمسكون بدينهم رجعيون، وهو وحده النابغ. ولن أسترسل في وصف ما صرنا إليه من هذه الحال، فإنه معروف لكل من يخالطهم ويسمع آراءهم ويحضر محاضراتهم.
هذا هو الأكثر الأغلب إلا من هدى الله.
إثم كل هذه السيئات في عنق من يستطيع المدواة ثم لا يفعل.
أرادوا أن يعلموا الأمة ويهذبوها فانقلبت عليهم أغراضهم. وجدوا أمامهم الأزهر يعلم الناس، وكان إذا ذاك قائماً وحده بالتعليم، وكان ما فيه من علوم لا يكفي لما يناسب العصر الحاضر، وكان الطريق الصحيح للرقي أن يدخلوا عليه ما شاءوا من التهذيب والإصلاح، ولكنهم لم يفعلوا، فتركوه جانبا وأنشأوا بجواره أنواعا من المدارس، ثم جاءوا إلى العلوم التي اختص بها، وهي الشرائع والعلوم اللغوية، فعملوا لها مدرستين، وزادوا أخيرا ثالثة، هي "قسم الآداب بالجامعة" حتى يتم القضاء عليه فلا تقوم له قائمة، وما أدري هل عمدوا أو أخطأوا؟ إنما نرى النتائج والآثار، وعلم النيات عند الله.
الأمة تريد العلم والتهذيب وتحرص على دينها، ولكن بجانب هذا يريد الإنسان الحياة، يريد أن يطرق سبل الكسب، يريد أن ينال حظه من نعيم الدنيا، وهذه المدارس قد احتكرت كل الفنون التي تنفع في اكتساب