وهم يعرفون إن الدنيا عالم والجنة عالم آخر، هذه دار العمل وتلك دار الجزاء.
فهل تحب صحف الهلال والطالب الذي اخترعوه أن ندلهم على قاعدة صغيرة من قواعد علم البيان. وهي أن المجاز: ما استعمل في غير ما وضع له لقرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي -ونأسف جداً أن نمثل لهم بالمثال الذي يعطى لصغار الطلاب المبتدئين- كما تقول: رأيت أسداً في الحمام. فإذا كان الحمام قرينة مانعة من إرادة المعني الحقيقي مع أن وجود أسد حقيقي في الحمام غير مستبعد إلا أنه ليس كثير الحصول. أفلا تكون كل هذه الحقائق البدائه التي قلنا -كافية لدلالة السامع على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد المعنى الظاهر للفظ بل أراد معنى آخر أرقى من هذا المعنى المحال؟ وأنه يريد أن في الجنة نهرين هما نيل وفرات تنويهاً بذكر هذين اللذين في الأرض وإشادة بفضلهما وأنهما مصدر لكثير من الخيرات والبركات على أهليهما وأنهما مما أنعم الله به على خلقه فقامت على ضفافهما أقدم الحضارات في الدنيا إلى معاني وإشارات أدق وأعلى.
ولعلنا نوفق إلى بيان كثير منها في مقال خاص إن شاء الله.
ويرحم الله أبا الطيب إذ يقول:
وكم من عائب قولاً صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيم
وبعد فقد نرى أن عدونا بالقوم قدرهم، وقد كانت كلكمتنا الأولى كافية في كشف خبيئتهم وفضح نياتهم، ولكنا أردنا أن نأخذ بحجزهم