ولم يكن هذا علاجاً، بل كان أسوأ أثراً، بما جُبلت عليه النفوس من الظلم والطغيان، وبما تساهل مطبقوا القانون في النظر إلى الطبقة الظالمة دون الطبقة المظلومة، حتى لقد رأينا في عصرنا حوادث تقشعر منها الأبدان، وتتقزز النفوس، نضرب منها مثلاُ نذكره قد يغني عن كل مثال:
فقد عُرِضَ على القضاء الأهلي المصري، منذ عهد غير بعيد، حادث امرأة قبطية استأجرت خادمين صغيرين، وكانت من قسوة القلب ومن الطغيان لا تفتأُ تعذبهما بأنواع العذاب، حتى الكي بالنار، حتى مات الخادمان بعد أن رجعا إلى أهليهما. فكان العجب كل العجب أن تحكم عليها محكمة الجنايات بالحبس سنة واحدة مع وقف التنفيذ، بحجة أعجب من حكمها، تنبئ عن نفسية لا أستطيع وصفها! أن هذه المرأة المجرمة المتوحشة كبيرة السن، ومن أسرة كريمة!!
بل مثل آخر عجيب، لا يتصل بقضايا التعذيب، ولكنه يكشف عن نفسية الطبقة التي تسمى عالية في بلادنا، وما علوها إلا الكبرياء والاستعلاء على أمتهم، ثم العبودية لسادتهم الخواجات والاستخذاء!! امرأة من نساء طبقة المستوزرين جمعت جمعاً من مثيلاتها في دارها، وكانت الصحف المصرية تفيض بالمنكر الذي يسميه النسوان وعبيد النسوان (حق المرأة في الانتخاب). فنظرت هذه المرأة إلى خادمها النوبي، وعجبت لمن حولها أن يكون لهذا (العبد) حق الانتخاب دونها، وهي المتعلمة المثقفة التي تراقص الوزراء والكبراء والخواجات!!.