والأباطيل وأفتاهم بعض الكبراء المنتسبين إلى العلم أن لا بأس بها، إذا أريد بها الوقاية من الشمس! وهم يأبون إلا أن يظهروا أنهم لا يريدون بها إلا الوقاية من الإسلام!! فيُصرِّح كتابهم ومفكروهم بأن هذا اللباس له أكبر الأثر في تغيير الرأس الذي تحته، ينقله من تفكير عربي ضيق إلى تفكير إفرنجي واسع!!.
ثم أبى الله لهم إلا الخذلان، فتناقضوا ونقضوا ما قالوا من حجة الشمس، إذ وجدوا أنهم لم يستطيعوا ضرب هذه الذلة على الأمة، فنزعوا غطاء الرأس بالمرة، تركوا "الطربوش" وغيره، ونسوا أن الشمس ستضرب رؤوسهم مباشرة، دون واسطة الطربوش، ونسوا أنهم دعوا إلى القبعة، وأنه لا وقاية لرؤوسهم من الشمس إلا بها!! ثم كان من بضع سنين، أن خرج الجيش الإنجليزي المحتل للبلاد من القاهرة والإسكندرية بمظهره المعروف، فما لبثنا أن رأيناهم ألبسوا الجيش المصري والشرطة المصرية قبعات كقبعات الإنجليز، فلم تفقد الأمة في العاصمتين داخل البلاد منظر جيش الاحتلال، الذي ضرب الذلة على البلاد سبعين سنة، فكأنهم لم يصبروا على أن يفقدوا مظهر الذل الذي ألفوه واستساغوه وربوا في أحضانه.
وما رأيت مرة هذا المنظر البشع، منظر جنودنا في زي أعدائنا وهيئتهم إلا تقززت نفسي، وذكرت قول عميرة بن جعل الشاعر الجاهلي، يذم قبيلة تغلب:
إذا ارتحلوا عن دار ضَيْم تعاذلوا ... عليهم ورَدُّوا وفدهم يستقيلها