أحد يعقل الشرائع أن يدعي أنه خالف أمر ربه. إذ أنه أطاع الله بالعدل، وعزيمته في قلبه من قبل لا أثر لها في صحة العقد أو بطلانه -بداهة- خصوصاً وأن النصوص كلها صريحة في أن الله لا يؤاخذ العبد بما حدّث به نفسه، ما لم يعمل به أو يتكلم.
ورُبّ رجل تزوج زوجة أخرى عازماً في نفسه على العدل، ثم لم يفعل، فهذا قد ارتكب الإثم بترك العدل ومخالفة أمر ربه. ولكن لا يستطيع أحد يعقل الشرائع أن يدعي أن هذا الجور المحرم منه قد أثّر على أصل العقد بالزوجة الأخرى، فنقله من الحل والجواز إلى الحرمة والبطلان. إنما إثمه على نفسه فيما لم يعدل، ويجب عليه طاعة ربه في إقامة العدل. وهذا شيء بديهي لا يخالف فيه من يفقه الدين والتشريع.
والقوم أصحاب هوى ركب عقولهم، لا أصحاب علم ولا أصحاب استدلال، يحرفون الكلم عن مواضعه. ويلعبون بالدلائل الشرعية من الكتاب والسنة ما وسعهم اللعب.
فمن ألاعيبهم: أن يستدلوا بقصة علي بن أبي طالب، حين خطب بنت أبي جهل في حياة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استؤذن في ذلك قال:"فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنها هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها". ولم يسوقوا لفظ الحديث، إنما لخصوا القصة تلخيصاً مريباً! ليستدلوا بها على أن النبي صلى الله عليه وسلم يمنع تعدد الزوجات، بل صرح بعضهم بالاستدلال بهذه القصة على ما يزعم من التحريم! لعباً