فإن ولاية المرأة القضاء، في بلدنا هذا، في عصرنا هذا -يجب أن يسبقها بيان حكم الله في أمرين بنيت عليهما بداهة:
أولاً: أيجوز في شرع الله أن يُحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربة الوثنية الملحدة، بل بتشريع لا يبالى واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها؟
إن المسلمين لم يُبْلَوا بهذا قط، فيما نعلم من تاريخهم، إلا في عهد من أسوأ عهود الظلم والظلام، في عهد التتار، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شرعته، وزال أثر ما صنعوا من سوء، بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم، وبأن هذا الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلموه، ولم يعلموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره. ولذلك لا نجد له في التاريخ الإسلامي -فيما أعلم أنا- أثراً مفصلاً واضحاً، إلا إشارة عالية محكمة دقيقة، من العلامة الحافظ ابن كثير المتوفى سنة ٧٧٤ (١).
والحافظ ابن كثير من أجلّ تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ومن
(١) وقد ذكر الحافظ ابن كثير أيضاً بعض أشياء عن هذا، في تاريخه الكبير (البداية والنهاية ج١٣ ص١١٧ - ١٢١). وكذلك ذكر المقريزي بعض ذلك في الخطط (ج٣ ص٣٥٧ - ٣٦٠ من طبعة مطبعة النيل بمصر سنة ١٣٢٥).