والخروج والأكل وما أشبه ذلك قبل فعل زيدٍ له، ثم يفعله زيد فيخبر عنه بذلك، ولولا أنا نفعله ونعرفه لم نفهم الإخبار عنه. والمصدر الحدث، لأنه الحدث الذي أحدثه زيد، ثم حُدث عنه، والفعل حديث عنه، والحدث سابق للحديث عنه
اعتراض على من احتج منهم. قيل له: ليس الأمر كما ذهبت إليه، ولسنا نقول: إن الأسماء قبل الأفعال مطلقاً، بل نقول إن الاسم قبل فعله الذي يفعله، وقد اصطلحنا على أن نريد بالاسم المسمى في هذا الفصل لأنه ينوب عنه في الإخبار فنقول زيد سابق لفعله الذي يفعله، وليس يجب من هذا أن يكون سابقاً لفعل غيره، وإذا كان هذا كما ذكرنا فليس يجب أن يكون المصدر، إذا كان اسماً لفعل، أن يكون سابقاً له، لأنا لا نطلق أيضاً أن يكون الاسم سابقاً للمسمى، ولا موجوداً بعده، بل اسمه لازم له موجود معه حين وجوده، وإنما نريد بالاسم معنى استحقاقه التسمية، ألا ترى شخصاً ما حين وجوده يجوز أن تسميه زيداً، ثم تنقله عنه فتسميه بكراً، ثم تنقله عنه فتسميه عمراً، واستحقاقه للاسمية لم ينتقل عنه وهو موجود بوجوده، ألا ترى أنه يقع عليه شيء ولا يفارقه، فهو شيء على كل الأحوال. ولذلك غلط قوم فتوهموا أن الاسم هو المسمى. وقد يسمي بعضهم المعدوم شيئاً. وأباه آخرون. واحتج الأولون بقول الله عز وجل (كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً) فقالوا قد سمى المعدوم شيئاً. وقال مخالفوهم ليس كذلك لأن السراب ليس بمعدوم على الحقيقة لأنه لمعان الشمس على الحصا في اشتداد الحر عند الهاجرة. ولمعان الشمس هو شيء ما، ليس بمعدوم فلما نظر إليه العطشان من بُعد، لم يكن في قوة بصره إدراكه على الحقيقة، فظن لمعان الشمس ضوء الماء فلما قرب منه وتبينه لم يجده كما توهمه. فقوله عز وجل "لم يجده شيئاً"[يعني شيئاً] توهمه أو شيئاً ينفعه. والله أعلم.