للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا المعنى نقول: إن الفرار أبداً لا يحل، وإن زاد المشركون على الضِّعف، ما دام المسلمون بهم قوة عليهم، ولهم رجاء في الإحاطة بهم، والامتناع منهم؛ لأن التخفيف إنما جعل لما يكون من الضَّعْفِ عنهم، ورَفْعاً لتكليف ما يشق من الصَّبْر على مقاومتهم، والله أعلم.

وروي عن مالكٍ أنه قال: «لا يجوز الانحياز إلا عن خوفٍ بَيِّنٍ وضَعف» (١) .

وأما على مذهب من يعتبر في مراعاة المثلين: القوة والجَلَد (٢) ، فلا يخفَى أن الثبوت واجبٌ في مثل هؤلاء، وإن زادوا في العدد على الضِّعف، والفرار عنهم حرام.

* مسألة:

إذا لَقي المسلمون مِثْلي عددهم من الكفار، دون زائدٍ عليهم، لكن كان لقاؤهم إياهم بأرض العدو، وفي موضع تكاثر جَمْعهم، وإمدادِ بعضهم بعضاً؛ لتعاقب ديارهم، وتضافر أعدادهم، فهم يخافون استجاشتهم عليهم وإجلابهم؛ فقد قيل: إن لهم في التولية سعَة (٣) .

وأقول: إنه لا يباح لهم الفرار، ولا سَعَة لهم في التولِّي عنهم، إلا أن يتزايد جمعهم، حتى يزيدوا على الضِّعف، والدليل على ذلك: أن التخفيف والرخصة في التولِّي إنما أبيح فيما زاد على الضِّعف، وما لم ينتهِ العدد إلى ذلك؛ فهم مخاطبون بالثبوت والصبر، والله أعلم.

*****


(١) «النوادر والزيادات» (٣/٥١) ، وفيه: «وقال ابن المواز، عن مالك: لا يجوز الانحياز إلا عن خوفٍ بَيِّن، وعن جيش مستطلع، وضعفٍ من السلطان، فأمَّا عن أمر متناصفٍ في الغلبة لهم طمع؛ فلا، ولا يكون لأمير الجيش ما يكون للسرايا من الانحراف والتولِّي عنهم. قال: ولهم سعةٌ أن يثبتوا لقتال أكثر من الضعفين والثلاثة، وأكثر من أضعاف كثيرة، وهم يجدون مصرفاً عنهم» .
(٢) كما هو مذهب الشافعية. وقد مضى ذكر ذلك.
(٣) «النوادر والزيادات» (٣/٥٠) .

<<  <   >  >>