للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آبائهم» : إنما يُراد به نفي الحرج والإثم في إصابتهم على وجه الضرورة من غير قَصْد.

ثم اختلف القائلون بأنهم محمولون على الكفر: هل ذلك على الإطلاق في أحكام الدنيا والآخرة حتى يستوجبوا التخليد في النار؟ أو هو خاصٌّ بأحكام الدنيا؟ كرفع المأثم فيهم عن أهل البيات، والدِّية عن قاتلهم خطأ، كجواز استرقاقهم بالأسر من دار الحرب، وترك الصلاة على من مات منهم، وثبوت التوارث بينهم وبين سائر الكفار إذا كانوا أحراراً، وما أشبه ذلك من أحكام الدنيا؟

وأمَّا أحكام الآخرة؛ فإلى الله؛ فهو أعلم بما كانوا عاملين، مصيراً إلى ما وقع من ذلك في الحديث؛ فتلك ثلاثة مذاهب.

وبالجملة؛ الخوض في تفصيلِ النَّظر في المسألة، ومواقع الخلاف، وبسط وجوه الأدلة والاعتراض عليها، والتفريع عنها، فذلك له غرضٌ كبير ليس هذا مَوضعَ اسْتِقْصائه، وكأن الظاهرَ عند ترجيح الأدلَّة، والأوْلى في حَملِ بعضها على بعضٍ بالبناء على قواعد الشرع المعلومة في اختصاص وجوب التكليف بالبالغ، ورفْعِ الإثم، والاتصاف بالمعصية عن غير البالغ، يشهد لمن ذهب إلى أنهم على أحكام المؤمنين (١) ، وأنهم في الجنة إذا ماتوا قبل البلوغ بكلِّ حالٍ -إن شاء الله-.


(١) نعم؛ الراجح صحة إسلام المراهق والصبي، دل عليه ما أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب الجنائز (باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يُصلَّى عليه وهل يُعرضُ على الصبي الإسلام؟) (رقم ١٣٥٦) عن أنس -رضي الله عنه-؛ قال: كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمرض، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده، فقعد عند راسه، فقال له: «أسلم» . فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -. فأسلم، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار» .
وذكر البخاري أن الحسن وشريح وإبراهيم وقتادة قالوا: إذا أسلم أحدهما -أي الوالدين-؛ فالولد مع المسلم، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- مع أمه من المستضعفين، ولم يكن مع أبيه على دين قومه، وقال: «الإسلام يعلو ولا يُعْلَى» .
قلت: وأسند البخاري في الباب نفسه عرْض النبي - صلى الله عليه وسلم - الإسلام على ابن صياد وهو غلام لم يبلغ، وأسلم عليٌّ والزبير وهما أبناء ثمان سنين. =

<<  <   >  >>