للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثغور المسلمين المجاورة هناك لبلاد العدوّ. قال: وإني لأتَّقيهِ في الصِّغار؛ لأنهم على دين من اشتراهم.

قوله هذا في غايةٍ من الاضطراب؛ أجاز بيعهم من العدو، وفيه تغليب حُكم الكفر عليهم، ثم شَكَّ؛ حيث قال: وإني لأَتَّقيهِ في الصِّغار، ثم قطع على الحكم لهم بالإسلام؛ حيث قال: لأنهم على دين من اشتراهم، فَجَعَلَ حكمهم في الدِّين حكم المسلمين الذين صاروا بأيديهم، فهكذا تَجِدُهم أبداً يضطربون في هذه المسألة؛ لما يظهر من تعارض أصولها التي نبَّهنا عليها، وتجاذُبِها الفروع، إذا لم يعوَّل على أصلٍ بعينه، والنَّظَر -كما قدمناه- يشهد أنَّ لأطفال السَّبْي حُكْمَ الإسلام في كل شيءٍ على الإطلاق، إلا ما خصَّه الشرعُ بيقين؛ وذلك إنما هو إباحة الاسترقاق، لا غير، وبالله التوفيق.

* مسألةٌ:

إن كان بأيدي المسلمين علوجٌ استرقُّوهم، وكان في دار الحرب أسرى من المسلمين، فأبى أهل الحرب أن يُخَلُّوا عنهم إلا بأولئك العلوج؛ قال سحنون (١) : «لا بأس أن يُجْبِرَ الإمام ساداتهم على البيع، ويعطيهم الثمن، ويفدي بهم المسلمين» ، وهذا صحيح، إلا أن ظاهر قوله: لا بأس، يُشعرُ أنَّ له سعةً في أن لا


= الصالحون قديماً، وبها بساتين كثيرة يسقيها جيحان» .
(١) انظر: «النوادر والزيادات» (٣/٣٢٧-٣٢٨) .
ففيه قوله: «لا يصلح فداء الرجال بالمال، ولكن بالمسلمين» . وقال: «قولنا المعروف أن لا يُفدَى علج بمالٍ، ولكن بالأسارى المسلمين.
وقيل له: لم مَنعتَ من فداء الأسارى بالمال، وقد أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المال في أسارى بدر؟ قال: «قد خُصَّت مكة وأهلها بخاصَّة، منها: أنها لم تُقسم ولا خُمست، وهي عنوة، وقد مَنَّ -عليه السلام- على بعض الأسارى بلا فداء، وقد أبيح له ذلك بقول الله -تعالى-: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ} وذلك فتح مكة، ثم لا يجوز اليوم المنّ على المشركين، ولكن إنما هو القتل أو الرقُّ أو الفداء بأسارى المسلمين» .
وقد مضى الكلام على مسألة فداء الأسارى.

<<  <   >  >>