للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صَبْراً، أو في القتال» . يعني: مقبلاً أو مدبراً، وكيفما كان. ودليله: عمومُ الخَبرِ في إيجابِ السَّلبِ للقاتل من غير تفصيل، وما دلَّ عليه في إيضاح ذلك وتقريره خبر سلمة المذكور آنفاً.

وقال الثوري في العَلج يحمل عليه الرجل فَيَسْتَأسِرُ له، ثم يقتله: «له سَلَبه إذا كان قد بارزه» (١) . وأظنُّه يعني: إذا قال الإمام في ذلك الجيش: من قتل قتيلاً فله سَلَبه؛ لأن مذهب الثوري: ألاَّ (٢) يستحقَّ القاتل السَّلَبَ، إلاَّ أن يُنفِّله

الإمام، كما يقول مالكٌ، وأبو حنيفة (٣) .

وقال الأوزاعي (٤) في الذي يَستأسر فيقتله: «ليس له سَلَبُه إذا لم يكن حَرَد إليه بسلاح» . قيل له: فرجلٌ حمل على فارسٍ فقتله فإذا هو امرأةٌ؟ قال: «فإن كانت حَردت له بسلاح، فإنَّ له سَلَبها، والغلام كذلك: إذا قاتل فَقُتِل كان سلبه لمن قتله» .

قوله: حَردَ إليه، يعني: إذا جَدَّ، وقَصَد قصده (٥) . وأنشدوا (٦) :


(١) نقله عنه ابن المنذر في «الأوسط» (١١/١٣٠) .
(٢) كتب الناسخ في هامش نسخته عند (ألاّ) : «كذا ولعلَّها ... » ، ثم بياضٌ في الهامش.
(٣) مضى قريباً ذكر مذهبيهما في ذلك. وانظر: «موسوعة فقه سفيان الثوري» (ص ٢٦٤) .
(٤) نقله عنه ابن المنذر في «الأوسط» (١١/١٣٠) وفيه: «وإنْ أَسَرهُ ثم قتله؛ لم يكن له سَلبُه» .
(٥) وقال في «القاموس المحيط» (١/٥٦٠) : حَرَدَهُ، يَحْرِدُه: قَصَده ومَنَعهُ. وانظر: «تهذيب اللغة» (٤/٤١٢) ، «لسان العرب» (٣/١٤٤) .
(٦) قال الفراء في «معاني القرآن» (٣/١٧٦) : «وأنشدني بعضهم ... » وذكره، وأوله عنده: «وجاء سيل كان من أمرِ الله» .
وأورده هكذا عن الفراء: الأزهري في «تهذيب اللغة» (٤/٤١٤) ، وابن منظور في «لسان العرب» (٣/١٤٥) ، ووجدته كما عند المصنف في «الكشاف» للزمخشري (٤/٥٩١) ، وفيه (أمر) بدل (عند) ، ومعناه -كما قال الشيخ محمد عليان المرزوقي في «مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف» -: «يصف سيلاً بالكثرة. ولذلك قال: من عند الله. ويروى: من أمر الله، وحذف الألف قبل الهاء من لفظ الجلالة؛ لأنه جائز في الوقف. وحرد يحرد من باب ضرب، بمعنى قصد وأسرع، أي: يسرع إسراع الجنة، أي البستان المغلة كثير الغلة والخير. ومعنى إسراع الجنة: ظهور خيرها قبل غيرها في زمن يسير، واختارها لأنها تنشأ عن السَّيْل» .

<<  <   >  >>