للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورُوي عن عبد الله بن عمر، في تفضيل الرِّباط، أنه قال: «فُرِضَ الجهادُ لِسفْكِ دماءِ المشركين، والرباط لحقنِ دماء المسلمين، فَحقْنُ دماءِ المسلمين أحبُّ إليَّ من سفكِ دماءِ المشركين» (١) .

قلت: لعلَّه إنما يعني مثل قول مالكٍ في فساد الغزو، ومحدثات الأمور فيه، حتَّى لا يُحْلَى منه إلا سفكُ دماء المشركين مُجَرَّداً، دونَ الاهتمامِ بحدود ذلك، وحقوقه الواجبة في الجهاد، أو إنما يعني حالة يضطر فيها أهل ثغرٍ من المسلمين إلى الحراسة؛ لِشدة الخوف عندهم، وتوقع هجومِ العدو في اهْتِبال غَفْلةٍ، أو إصابةِ غُرَّة، والله أعلم.

فأمَّا أنْ يكون ذلك على الإطلاق، فلايستقيم أن يقال: الرِّباط أفضل من الجهاد؛ لأنَّ الجهادَ فرضٌ برأسه، كسائر الأركان، والرِّباط لايجبُ إلاَّ لعارضِ الخوف.

وأيضاً، فلا نقول: إن الجهاد فُرِضَ لسفك دماء المشركين، حتى إذا قوبل بحقن دماء المسلمين كان الرباط أولى، لكن نقول: فُرِضَ الجهاد لأن تكون كلمة الله هي العُليا، وتلك خصوصيةٌ لا تُعَادل، ولا يُفَاضَلُ عليها بحالٍ، وفي كلِّ ذلك -والحمد لله- أجرٌ كبير، وفضلٌ عظيم.

ما جاء في ارتباط الخيلِ في سبيل الله، وفضل الرَّمي (٢)


= «العُتْبِيَّة» : سئل مالك: أيُّ ذلك أعجب إليك: الرباط أو الغارات في أرض العدو؟
قال: أمَّا الغارات، فلا أدري كأنه كرهها؛ وأمَّا السَّير في أرض العدو على الإصابة -يعني: إصابة السُّنة- فإنه أعجب إليَّ.
(١) انظر: «النوادر والزيادات» (٣/١٤) ، و «البيان والتحصيل» (٢/٥٢٢) .
(٢) يشمل جميع أنواع الرمي، والتحريض على الرمي بالنشاب في النصوص كان في الزّمن الماضي، وأما اليوم؛ فينبغي أن يكون على تعلّم استعمال الآلات التي شاعت في زماننا. =

<<  <   >  >>