الوباء لغة كثرة الموتى والمراد به هنا الطاعون وقد يفهم بما هو أعم وإنما لم يقدم عليه لئلا يصيبه شيء فيقول لولا أني قدمت عليه لنجوت ولا يخرج فرارا منه لئلا يرى نجاته بفراره فيتزلزل يقينه في الجانبين والمشهور في المسألة ما ذكر وهو على الكراهة في الوجهين لا على التحريم وقد حصل ابن رشد في ذلك أربعة أقوال وأصل ما ذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم الشام وجد بها الوباء فشاور الصحابة في الرجوع بمن معه من المسلمين فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أفرارا من قدر الله؟ قال: نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله أرايت لو كانت لك إبل فأتيت بها واديين أحدهما مجدب والآخر مخصب أكنت ترعاها في المجدب أم في المخصب، قال بل في المخصب قال إن رعيت المجدب رعيته بقدر الله وإن رعيت المخصب رعيته بقدر الله.
فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأخبر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه" انتهى ونقلت حكايته بالمعنى.
وفي حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه " الطاعون شهادة لهذه الأمة ليس أحد يقع الطاعون ببلده فيقعد صابرا محتسبا يعلم أنه ما يصيبه إلا ما قدر الله له لكان له مثل أجر شهيد" رواه البخاري ثم هو مرض من الأمراض في حكم المداواة وغيرها فمما يدفع به تحكمه في الأجساد مركب يقال له روفش أخلاط جزء من صبر وجزء مر ونصف جزء زعفران يسحق كل ناعما ويضاف بشراب ريحاني ويشرب على الريق منه قدر يسير فإن كل جسم خالطه لا يتمكن منه الطاعون بقدرة الله كذا رأيته بخط من يعتمد عليه من الأطباء وصحت تجربته في متعددين.
وذكر بعض الأطباء أن شرب الماء بالقوة تدفعه لأنها تطفئ الحرارة الغريزية وقد جربناه إلا أنه يحدث عللا أخر وأما شرب الخل عند الإحساس به فله أثر كبير في حله وهذه كلها أسباب والقدر من وراء ذلك وقد ينفع الله بالخاصية رجلا ويضر بها آخر وبالله التوفيق.
وقد جاء في الحديث أنه سئل عليه السلام عن حقيقته فقال: " غدة كغدة البعير