وقد قيل: إنه صلى الله عليه وسلم قد خص دون الخليقة بضروب وفنون وجعل له إلى العلم طرقا لم تجعل لغيره فيكون المراد بالمنامات قسمتها بما حصلت له وميزته جزء من ستة وأربعين جزءا قال فلا يبقى على هذا أن يقول بينوا هذه الأجزاء ولا يلزم العالم أن يبين كل شيء جملة وتفصيلا وقد جعل الله سبحانه للعالم حدا يقف عنده فمن ما لا يعمله أصلا ومنها ما يعلمه جملة وتفصيلا ومنها طريق السمع ولا مدخل للعقل فيه فإنما يعرف منه قدر ما يعرف به السمع.
قال: وقد مال بعض شيوخنا إلى هذا الجواب الثاني وقدح في الأول بأنه لم يثبت أن أمد رؤيا صلى الله عليه وسلم قبل النبوة كان ستة أشهر قال ويحتمل عندي أن يراد بالحديث وجه آخر وهو أن ثمرة المنامات الإخبار بالغيب لا أكثر وإن كان يتبع ذلك إنذار وتنبيه.
والإخبار بالغيب أحد ثمارت النبوة وفوائدها وهي في جنب النبوة وفوائدها يسير لأنه يصح أن يبعث بشرع الشرائع، وتبيين الأحكام ولا يخبر بغيب أبدا ولا يكون ذلك قادحا في نبوته ولا مبطلا للمقصود منها.
وهذا الجزء من النبوة والإخبار بالغيب إذا وقع فلا يكون إلا صدقا ولا يقع إلا حقا والرؤيا إذا دلت على شيء ولم يقع ما دلت عليه إما لكونها من الشيطان أو حديث النفس أو غير ذلك مما يقصد للعائن في أصل العبارة إلى غير ذلك من الضروب الكثيرة التي توجب عدم الثقة بدلالة المنام فقد صار اخلبر بالغيب أحد ثمرات النبوة وهو غير مقصود بها لكنه لا يقع إلا حقا وثمرة المنام الإخبار بالغيب ولكنه قد لا يقع صدقا فتقدر النسبة بهذه بقدر ما قدره الشارع بهذا العدد بحسب ما أطلعه الله عليه ولأنه يعلم من حقائق نبوته ما لا نعلم وانظر بقية كلامه.
وقوله:(إذا رأى أحدكم ما يكره) يعني في صورة منامه ويحتمل في معناه وكل صحيح " فليتفل" وفي رواية " فلينفث" وفي رواية " فليبصق" والبصاق إلقاء الريق من الفم بكثرة والتفل دون والنفث مثله مع ريح والنفخ لا ريح فيه وقيل غير ذلك وفي رواية إنه: "يتحول عن جنبه الذي رأى ذلك عليه ولا يتحدث بها فإنها لا تضره وإذا رأى ما يجب" فلا يحدث به إلا من يجب الحديث.