للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به لأن مزكي العدل عدل وقد شهد عليه السلام لقرنه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فوجب اعتبارهم في الاقتداء على مراتبهم.

لكن القرن الأول حفظوا عن الشارع ولم يجمعو ولم يعرف عام من خاص ولا ناسخ من منسوخ وذلك يتحصل بالجمع فجاء القرن الثاني فحفظوا ما جمعوا وذلك لا يكفي دون التفقه فيه وقد تفقهوا فيه ولكنهم لم يستوبعوه فجاء القرن الثالث فحفظ ما جمع على جمع واستوفى ما جمعه بفقه فكمل علم الدين في القول الثالث حفظا وجمعا وتفقها في كل فن شرعي فأخذ ذلك عن علمائه الذين صح ورعهم وهم اثنا عشر رجلا فكان لكل منهم اتباع ثم لم تزل اتباعهم تنقرض وينقرض علمها بها حتى لم يبق إلا جملة الأئمة الأربعة مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد فاقتصر الناس عليهم واتبعوا مذاهبهم مع أنه لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة لقوله عليه السلام " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق".

ففي كل عصر سادة وفي كل قطر قادة لكن القرون الثلاثة الأصل فيهم الخير والشر عارض وما بعدهم من القرون ليس كذلك فهم معتبرون بأوصافهم وبالله التوفيق.

(وفي اتباع السلف الصالح النجاة وهم القدوة في تأويل ما تأولوه واستخراج ما استنبطوه).

السلف هو السابق والصالح هو الذي جرت أقواله وأفعاله على وفق الحق والصواب في الغالب والمراد بهم هنا أهل القرون الثلاثة الأول من العلماء العاملين ومن اتصف بأوصافهم من المتأخرين القدوة الذي يتبعون ويقتدى بهم.

والتأويل إخراج اللفظ عن ظاهره بدليل يعضدة والاستنباط استخراج الحكم من أصله الذي يحتوي عليه وإنما كان السلف قدوة فيما ذكر لأنهم جمعوا ثلاثة أشياء العلم الكامل والورع الحاصل والنظر السديد وغلبت عليهم الأمانة ولولا هذه الشروط ما صح الاقتداء بهم وقد قال ابن المبارك إن هذا لحديث دين فانظروا عن من تأخذون دينكم وبالله التوفيق.

(وإذا اختلفوا في الفروع والحوادث لم يخرج عن جماعتهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>