ما هي العلّة لوجودها؟ هل الأشياء الحادثة حدثت من غير علّة؟ هذا أمر يرفضه العقل. هل هي التي أحدثت نفسها؟ هذا أمر يرفضعه العقل أيضاً، لأن هذه الأشياء لا تملك: أمر ميلادها أو موتها أو تطوّرها بين الميلاد والموت ... فإذا فرضنا أن بعض هذه الكائنات، يُؤثر في وجود بعضها، مما يحدث تطورات وتغييرات، فالسؤال هنا: من الذي أوجد هذا النظام الكوني في جُملته وفي أجزائه أو في ذرّاته في السموات وفي الأرض، وفي كل ما نعلم وما لا نعلم، وفي كل ما نراه ولا نراه؟
إن هذه الآيات الحاسمة الرائعة، حين تذكر هذه الاحتمالات على صورة الاستفهام، فإنها في الحقيقة، تؤكّد النقيض، حين تؤكد وتثبت أنه لابد من علّةٍ مُوجِدَةٍ راعيةٍ حافظةٍ، لهذا النظام الكوني كلّه، وهي الإله، الخالق الحق الحكيم.
إلى جانب هذه الأدلة، نرى دليلاً آخر أسماه بعض العلماء «دليل إبراهيم» وهو الذي يسمّى في القرآن: حُجَّةً. نرى هذا من الآيات التي تبيّن لنا موقف أبي الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام، من قومه الذين كانوا يعبدون ويقدسون الأصنام، وحوارَه معهم، ودعوتَه لهم بالتفكر في نظام الكون، واهتداءَهُ هو بنفسه، في تجربته الخاصة، إلى حقيقةِ: أنَّ تَغَيُّرَ أحوال الأشياء، يؤكد أنها حادثة، لابدّ لها، من خالقٍ واحدٍ لا يتغير. وهذه الآيات هي:
?وكذلك نُري إبراهيم ملكوتَ السمواتِ والأرضِ وليكون من المُوقنين فلمّا جَنَّ عليه الليلُ رأى كوكباً قال هذا ربّي فلما أَفَلَ قال لا أُحِبُّ الآفلين فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربّي فلما أفَلَ قال لئن لم يَهدِنِي ربّي لأكُونَنَّ من القوم الضالّين فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر فلما أَفَلَت قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون إني وَجَّهتُ وجهيَ للذي فَطَرَ السموات والأرض حَنِيفاً، وما أنا من المشركين? (الآيات ٧٠ ـ ٧٩، الأنعام) .