للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ألم تَرَ إلى الذي حاجَّ إبراهيمَ في ربّه، أن آتاهُ اللهُ المُلك إذ قال إبراهيمُ رَبِّيَ الذي يُحيي ويميت قال أنا أُحيِي وأُميت قال إبراهيم فإنَّ اللهَ يأتي بالشمسِ من المشرقِ فَأتِ بها من المَغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ والله لا يَهدِي القوم الظالمين? (الآية ٢٥٨، البقرة) . وفي القرآن آيات وآيات، تتكلم عن فَزَعِ الإنسان عندما تحيط به الأخطار المهلكة، والتجائِهِ إلى مُوجِدِ الكون، الذي بيده كل شيء من خيرٍ وشرٍ، ونفع وضر، وهذا الشعور في حقيقته، ناشئٌ عن معرفةٍ كامنةٍ عميقةٍ، في نفس الإنسان، بأنَّ له خالقاً رحيماً، هو خالق العالم، ومدبّر الأمر كله فيه. لكنّ هذا الشعور تَغمُرُه عواملُ ورواسبُ التقليد، أو الإنكار، أو الشك، أو المكابرة والعِناد، أو الغرور، يتجلى وقت الشدة، فَيَفزَعُ الإنسانُ، بفطرته الأصيلة، إلى الله مفتقراً إليه. وهذا ما أشار إليه بعض المفكرين، حين تكلموا عما أسموه: دليل الافتقار، نرى هذا مع المُطهّر بن طاهر المقدسي (ت ٣٤٠ هـ) في كتابه الشهير: البدء والتاريخ حين يقول فيما يقول (٨) : «من الدليل على إثبات الباري سُبحانه: وَلَهُ النفوس، وَفَزَعُ القلوب إليه، إذا ضَرَبَت الحوادث اضطراراً. إذ لا يوجد مضطر وقد عضّتهُ نائبة، ولدغته ناكبة، يفزع إلى حجر أو شجر أو مدر، أو شيءٍ من الخلائق، غلاّ إليه، ويدعوه بما هو معروف عنده، من اسم أو صفةٍ ـ هذا مشاهد عياناً ـ كما تفزع النفس عند المكاره المخوفة، إلى طلب المهرب والنجاة، وكما يفزع الطفل إلى ثدي أمه ضرورةً وخلقة ... كذلك الله في معرفة خلقه إياه، إلاّ أنّ أثر الدلالة في الخلق عليه أعظم من أمثال ميل الطبع إلى ما يلائمه، وازوراره عما ينافره، ولا يمكن للملحد المنكر، وإن غلا وتعمق في الإلحاد، الامتناع في معرفة الله، وإجراء ذكره واسمه على لسانه، شاء أم أبى، في حال عمره ونسيانه، لأنّ قلبه

<<  <   >  >>