وكان يقال إن مصعب كان أشبه الناس سيرة بسيرة السلف الصالح. ووصفه عبد الملك بن
مروان فقال: في كلامه زكانة وكانت عنده عقيلتا قريش سكينة وعائشة، ثم هو أكبر الناس مالا. جعلت له الأمان، وضمنت له أن أوليه العراق، وعلم أني سأفي له لصداقة كانت بيني وبينه، فأبى وحمى أنفاً، وقاتل حتى قتل. فقال له بعض من كان حاضراً إنه كان يصيب الشراب. قال: ذلك قبل أن يطلب المروءة، وأما منذ طلبها، فلو ظن أن الماء ينقص من مروءته ما ذاقه.
ولما قتل عبد الملك مصعبا، وجه أخاه بشرا على الكوفة، وجعل معه روح ابن زنباع وزيرا. وكان روح عالماً داهية، غير أنه من أجبن الناس وأبخلهم. فلما رأى أهل الكوفة بخله خافوا أن يفسد عليهم أميرهم. وقد كانوا عرفوا جبنه، فكتبوا على بابه ليلا:
إن ابن مروان قد حانت منيته ... فاحتل لروحك يا روح بن زنباع
فلما أصبح رأى ذلك، فلم يشك أنه مقتول، فاستأذن بشراً في الشخوص فأذن له فخرج حتى قدم على عبد الملك، فقال له: ما أقدمك؟. قال: يا أمير المؤمنين تركت أخاك مقتولا أو مخلوعاً. قال: وكيف عرفت ذلك؟. فأخبره الخبر، فضحك عبد الملك وقال له: احتال عليك أهل الكوفة، حتى أخرجوك عنهم.