خليلي ماذا ارتجى من عدى أمري ... طوى الكشح عني اليوم وهو مكين
وإن امرءا قد ضمن عني بمنطق ... يسد به فقري إذاً لضنين
فانبرى إليه أحمد بن أبي دؤاب، كأنما نشط من عقال يسأله في رجل من أهل اليمامة فأسهب وأطنب، وذهب في القول كل مذهب، فقال له: يا أبا عبد الله: لقد أكثرت في غير كثير ولا طيب.
فقال: يا أمير المؤمنين إنه صديقي. وقد قيل:
وأهون ما يعطى الصديق صديقه ... من الهين الموجود أن يتكلما
فقال له قد شهرني بالاستشفاع بي عندك وجعلني بمرأى ومسمع من الرد والإسعاف، فأن لم أقم هذا المقام، وإلا كنت كما أنشد أمير المؤمنين:
خليلي ماذا أرتجي. . . . البيت
فقال الواثق: يا محمد بن عبد الملك، بحياتي عليك إلا عجلت لأبي عبد الله حاجته يسلم من هجنه المطل، كما سلم من هجنة الرد.
واعتل ابن أبي دؤاب فعاده المعتصم، وقال له: إني نذرت إن عافاك الله أن أتصدق بعشرة آلاف دينار. فقال له: فاجعلها يا أمير المؤمنين لأهل الحرمين، فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتاً. فقال: نويت أن أتصدق بها ها هنا. وأنا أطلق لأهل الحرمين مثلها. ثم نهض. فقال له أحمد: أمتع الله الإسلام وأهله ببقائك يا أمير المؤمنين، فانك كما قال منصور النمري لأبيك الرشيد:
إن المكارم والمعروف أندية ... أحلك الله منها حيث تجتمع