كذا فليحوها قصب المعالي ... سبوقٌ جاء في الزَّمن الأخير
بعيد القدر من آمال باغٍ ... قريب البرّ من يد مستمير
يهاب سبيل مسعاه المجاري ... كأنَّ الرَّجل منه على شفير
ويرجع بعد جهدٍ عن مداه ... بلا حظٍّ خلا نفس نهير
يحدّث عن علاه رغيم أنفٍ ... فيتبع ما يحدّث بالزفير
وكيف ترام غاية ذي علاءٍ ... يردّ الطرف منها كالحسير
سميّ الشكر من هنّا وهنّا ... ونبت عذراه مثل الشكير
مكارم لا تمنّع عن طلوبٍ ... كما لمع الصباح لمستنير
فلو شاء المشبه قال سحراً ... بسرعتها لإخراج الضمير
له قلمٌ سريُّ النفع سار ... يبيت على الممالك كالخفير
تعلّم وهو في الأجمات نبتٌ ... سجايا الأسد حتى في الزئير
ألم تره إذا اعترضت أمورٌ ... ورام الفرس أعلن بالصرير
ولثّمه المداد لثامَ ليلٍ ... فأسفر عن سنا صبحٍ منير
وأنشأ في الطروس جنان عدنٍ ... فحلّ بطرسهِ شرب الخمور
وجاوره الحيا المنهلّ حتى ... تصبّب منه كالعرَق الدزير
تصرَّف حكمه بمنى حكيمٍ ... بأدواء العلى يقظٍ بصير
من القوم الذين لهم صعودٌ ... إلى العلياءِ أسرع من حدور
تبيتُ الناسُ في سلمٍ وتمسي ... تحارب عنهم كرّ العصور
صدورٌ فيهمُ لله سرٌ ... كذا الأسرار تودع في الصدور
رست أحلامهم وسرت لهاهمُ ... فأكرم بالجبالِ وبالصخور
ولي لفظٌ رقيق الوِرد جزل ... كما نبع الزّلالُ من الصخور
سما شعري وعاد على علاهم ... فلقّبناه بالفلك الأثير
وأحسن ما سرى بيت لطيف ... يصاغ ثناه في بيتٍ كبير
أأندى العالمين ندًى وأجدى ... على العافين في الزمن العسير
عذرنا فيك دهراً زادَ حبًّا ... لما ميزْت منه على الدهور
إذا أحصى الضعيف عليه ذنباً ... أتت يمناك بالكرم الغفور