للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرشداً وموجهاً المسلم إلى اغتنام الأوقات وفرص العمر في قوله: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمك، وصحتك قبل سَقَمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغْلك، وحياتك قبل موتك» (١) .

فوقت المسلم أمانة عنده وهو مطالب بعدم التفريط فيه أو إهداره، ويتأكد هذا الأمر إذا كان ذلك الوقت قد تعلق به حق لله أو لأحد من خلقه. لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (٢) .

والوقت من أهم عناصر الإنتاج، ومن أجل بالغ أهميته هذه فقد بين لنا سبحانه أنه هو الذي قدَّر الوقت، كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} (٣) . وكما أنه سبحانه قدّر الوقت، فقد قدّر إنجاز التكاليف فيه، "وبذلك نظم الإسلام حياة المسلم ووقته؛ فقد نظم نومه واستيقاظه، وأداءه للشعائر، وانطلاقه إلى ميدان الحياة، ليجعل عمله كله عبادة لله عزَّ وجلَّ يقوم على أساس الشعائر كلها وعلى أساس من ذكر الله الملازم له، وبذلك أصبح الوقت في حياة المسلم عبادة ممتدة، أما الوقت في الحضارة الغربية والنظرية المادية للإدارة وغيرها فإنه لا يخرج عن نطاق المثل الشائع عندهم الوقت مال Time is money) ") (٤) وإذا قارنّا هذه العبارة بقول الحسن البصري رحمه الله: (أدركتُ أقواماً كان أحدهم أشحَّ على عمره منه على درهمه ودنانيره) (٥) . نستنتج عندها أن الوقت في تقدير المسلم أغلى من المال؛ ذلك أنه يدرك أن المال يمكن تعويضه بيد أن الوقت منصرم، إذا فات لا يعوض.

ويقسم هذا الفصل إلى المباحث الآتية:

الأول: الوقت وتحديد مفهومه.

الثاني: أهمية الوقت في القرآن الكريم.

الثالث: أهمية الوقت في السُّنَّة المُطهَّرة.


(١) الحاكم، محمد بن عبد الله النيسابوري ٣٢٠ - ٤٠٥هـ، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤١١هـ - ١٩٩٠م، ١-٤، رقم الحديث (٧٨٤٦) ، ج٤ ص ٣٤١. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(٢) ٧. سورة النساء، الآية ٥٨.
(٣) سورة المزمل، الآية ٢٠.
(٤) النحوي، عدنان علي رضا، فقه الإدارة الإيمانية في الدعوة الإسلامية، دار النحوي للنشر والتوزيع، ط١، ١٤١٩هـ - ١٩٩٩م، الرياض، ص ٣٧.
(٥) ابن المبارك، عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي أبو عبد الله ١١٨-١٨١هـ، الزهد، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١٩هـ - ١٩٩٨م، ص٥١.

<<  <   >  >>