المحقِّق، كما وصفه بذلك غير واحد من الكبار كما في "تذكرة الحفاظ"(٣/ ٩٢٠)، و "سير أعلام النبلاء"(١٦/ ٩٢)، و "مقدمة الأمير علاء الدين الفارسيّ" لصحيح ابن حِبَّان.
وإذا كانت مؤلفات الرجل مرآة علمه، فمؤلفات ابن حِبَّان شاهد له على رسوخ قدمه، وطول باعه، مُتَرجِمَةً عن سمو قدره، وعلو شأنه، وهذا ياقوت الحمويُّ وهو الرجل المحقق يشهد بذلك، فيقول:"ومن تأمل تصانيفه تأمل منصف، علم أنَّ الرجل كان بحرًا في العلوم"، ويقول:"أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره" معجم البلدان" (بُست).
وقد عكست مصنَّفاته هذه عقليته المبدعة، وثقافته الأصيلة الواسعة، فلم تكن ليستغني عنها بغيرها، بل صارت كما قال ياقوت: "عدَّة لأصحاب الحديث"، …
وفي الفقه تعب عليه حتى صار من كبار فقهاء الشَّافعية، ولذا ترجم له السبكيُّ في "طبقات الشَّافعية" (٣/ ١٣١)، وأهَّله تمكُّنه فيه أن يكون قاضيًا، إذ لا يلي القضاء آنذاك إلا مضطلع في الفقه، متمكن من نواحيه، عارف بدقائق مسائله، ومُشكل وقائعه، فولي القضاء مدة طويلة في أكثر من بلدة، منها نسا وسمرقند وغيرهما، ولعلَّ هذا - كما يقول بعضهم - ما أثار حفيظة فقهاء الحنفية الذين كانوا يعدون وظيفة القضاء وقفًا عليهم، فجرت بينه وبيهم منازعات