وخصومات، حملت ابن حِبَّان على مجاوزة الحد، حين لم يجد أغيظ لهؤلاء من الطعن في إمامهم أبي حنيفة، فألف كتابًا في "علل مناقبه" عشرة أجزاء، وكتابًا في "مثالبه" عشرة أجزاء، وكتابًا في "علل ما استند إليه" عشرة أجزاء، وكان الأولى به أن يكظم غيظه، فلا يأخذ أحدًا بذنب غيره، وأبو حنيفة ذاك الإمام الجليل القدر، العظيم الشأن، ممن طبق علمه الآفاق، وعرف فضله القاصي والداني، فكيف ينال منه لذنب اقترفه رجل انتحل مذهبه بعد قرنين من وفاته؟! فسامح الله ابن حِبَّان، وغفر له هذه الهفوة.
وقد تتلمذ في الفقه على شيخه محدِّث الوقت محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأخذ عنه طريقته في استنباط الأحكام والمسائل الفقهية، وهذا الكتاب - أي الصحيح - يظهر مدى تَمَسُّك ابن حِبَّان بمنهج شيخه في الاستنباط، وتقليده الكامل له، لكن مع تصرفه الخاص الذي أمْلَتَه عليه عقليته وأسلوبه الذي سأتعرض له بعد هذا الفصل، وهذا ما دعا ابن الصلاح إلى أن يغمز منه غمزًا شديدًا حين قال:"ربما غلط الغلط الفاحش في تصرفه"، ووافقه على غمزه الذَّهَبِيّ، فقال "وصدق أبو عمرو".
وبرع أيضًا في علم العربية، حتى عرف أسرارها، وحقيقتها ومجازها، وتمثيلها واستعاراتها، مما مكنه أن يستنبط الأحكام الشرعية من نصوص القرآن والسنة، وكثيرًا ما كان يمهد لاستنباطه