المتضرمة كان منشؤها شرر خلافات لفظية لا طائل تحتها، ولا تُقَدِّم من أمر الدين شيئًا ولا تُؤخِّر، ولا شك أنَّ الحسد الذميم هو الذي يذكي أوار مثل تلك الخلافات التي اتخذت مظهر الدفاع عن الدين، وذب البدع المزعومة عن أصوله وأحكامه، ها هو ذا البخاري أمير علم الحديث، وصاحب أصح كتاب بعد كتاب الله ﷿، يُسأل عن اللفظ بالقرآن، فيقول:"القرآن كلام الله غير مخلوق، وأعمالنا مخلوقة". فيتورم لجوابه أنف شيخه محمد بن يحيى الذُّهليّ، ويصيح قائلًا: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن زعم: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو مبتدعٌ لا يجلس إلينا.
ثمَّ أعلن أنه سيقاطع كل من يذهب بعد هذا إلى البخاريِّ، فانقطع الناس عنه إِلَّا مسلم بن الحجاج، وأحمد بن سلمة، لكن لم تشتف نفس الذُّهليّ، ولم يذهب غيظ قلبه، وضاقت عليه البلد التي تجمعه، والبخاري، فقال: لا يساكنني محمد بن إسماعيل في البلد، فخشي البخاريّ على نفسه، وسافر من نيسابور.
ولا ننسى أيضًا تلك المأساة التي وقع في أتونها من قبل الإمام أحمد بن حنبل، فقضى ما ينيف على عشر سنوات في سجون خصومه حبيس السياط والعذاب.
وابن حِبَّان أيضًا لم ينج مما وقع فيه مَن قبله، فإنَّ المنزلة الرفيعة التي تبوأها أشعلت الغيرة في صدور حاسديه، فهم يتربصون به هفوة