وحضرناه يوم جمعة بعد الصلاة، فلما سألناه الحديث، نظر إلى الناس وأنا أصغرهم سنًا، فقال:"استملِ، فقلتُ: نعم، فاستمليتُ عليه" ا هـ.
وإذ كان يولي عنايته من تفرَّس فيه النباهة، وتوسم فيه التفوق، فقد كان بعض تلامذته من كبار العلماء، وأعلام الحفاظ فمنهم: أبو عبد الله الحاكم النَّيسابوريُّ، وأبو عبد الله محمد بن أبي يعقوب إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبديُّ الأصبهانِيُّ، وأبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدَّارقطنيُّ، وأبو علي منصور بن عبد الله بن خالد بن أحمد الذُّهليُّ الخَالِدِيُّ"، وغيرهم ممن تقدم ذكره.
ويسجل التاريخ هنا مأثرة عظيمة لابن حِبَّان، كان له فيها فضل السبق والتقدم، فهو بالإضافة إلى قيامه ببذل علومه الغزيرة، وإقراء مصنَّفاته النفيسة لعدد لا يحصى من الطلاب، هو من أوائل - بل لعلَّه أوَّل - من حوَّل مكتبته الخاصة الأثيرة لديه، والتي أنفق في تحصيلها وجمعها عمره وماله، حولها إلى مكتبة عامة يفيد منها طلاب العلم كافَّة غنيهم وفقيرهم، ذكر ذلك مسعود السجزيّ كما نقل عنه ياقوت، فقال: "سَبَّل كتبه، ووقفها، وجمعها في دار رسمها لها"، ثمَّ عَمَد إلى داره فأوصى أن تُحوَّل إلى مدرسة لأصحابه، ومسكن للطلاب الغرباء الذين يفدون لطلب العلم من حديثٍ، وفقهٍ، وغير ذلك، ولم يكتف ابن حِبَّان بوقف المكتبة والمدرسة والمسكن، فقد بقي