للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وموقفنا من الخبر: التصديق، أن نقول: آمنا وقبِلنا، وصدَّقنا.

ما ثواب هؤلاء الذين آمنوا بما نُزِّل على محمد؟

ثوابهم: قوله: {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ}؛ أي: سيئات أعمالهم، {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي: حالهم وشأنهم، فجمع اللّه لهم بين أمرَيْن: بين إزالة السوء، وحصول الخير؛ إزالة السوء بتكفير السيئات، وحصول الخير بإصلاح الحال.

وقوله عز وجل: {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} يبينه تمامًا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الصَّلَوَاتُ الخَمْس، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنهَنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُما، وَالحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةَ".

قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} هذه الآية تعليلٌ لما قبلها، فمن اتبع الباطل - والعياذ باللّه - حصل له من الضلال بقدر ما يبتدعه من الباطل، فمن عصى اللّه فقد اتبع الباطل، ينقص من إيمانه بقدر معصيته، وينقص من هداه بقدر معصيته؛ لأنه إذا كان اتباع الحق سببًا للخير، فاتباع الباطل سبب للشر.

{كَذَلِكَ} أي: مثل هذا التبيين والتوضيح {يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ}.

ثم قال: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني: في ميدان القتال {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} ضَرْب هنا مصدر بمعنى الأمر؛ أي: تضربوا رقابهم.

{حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ} في القتل، وأذللتموهم بالقتل، وأضعفتموهم بالقتل، فحينئذٍ شدُّوا الوثاق؛ أي: شدُّوا الوثاق منهم بالأسر، لا تأسِروهم قبل أن تُخثِنوهم بالقتل، أثخنوهم بالقتل حتى لا تقوم لهم قائمة، ثم بعد ذلك ائسِروهم، وإذا أسرتموهم {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} إلى متى؟ {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} نقول: حتى هنا للتعليل؛ أي: لأجل أن تضع الحرب أوزارها.

{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} الجملة هنا تفيد التخيير؛ يعني: إما أن تَمُنُّوا عليهم فتُطلِقوهم، وإما أن تُفادوهم بمال، أو منفعة، أو رجال.

بمال: بأن يُطلَب من الكافر المأسور أن يدفع فداءً، فيقال له: لا نُطلقك إلا أن تأتي بالمال.

أو بمنفعة: نقول: لا نُطلقك حتى تُصلِح الطريق لنا، تكون عاملًا مع العمال، كما فعل المسلمون في أسرى بدر؛ حيث فادَوهم بتعليم أبناء المسلمين الكتابة.

أو برجال: يكون عندهم أسرى منا، فنقول: أعطونا أسرانا نعطيكم أسراكم.

هذا التخيير هل هو تخيير تشهٍّ، أو تخيير مصلحة؟ تخيير مصلحة؟ يعني: لا يحل لمن يلي أمر المسلمين في هذا الشأن أن يتخيَّر إلا ما تقتضيه المصلحة، وهنا نأخذ ضابطًا في هذا المقام:

<<  <   >  >>