للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كلٌّ لا يتجزَّأ، من كفر بشيء منه فقد كفر به جميعًا، فيكون قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: كفروا بما يجب الإيمان به من الأركان الستة التي بيَّنها النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل.

هؤلاء الذين كفروا {وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} صدوا أي: أعرضوا، أو صرفوا، إذا فسَّرناها بـ أعرضوا صار الفعل لازمًا، وإذا فسَّرناها بـ صرفوا صار الفعل مُتعدِّيًا، فعلى الأول يكون المعنى: أنهم هم أعرضوا عن سبيل اللّه، وعلى الثاني يكونون صرفوا عباد اللّه عن سبيل اللّه.

وهل يمكن أن نحمل الآية على المعنيين جميعًا؟

نعم، يمكن؛ لأن من قواعد التفسير: أن الآية إذا تضمَّنت معنيين لا يُنافي أحدهما الآخر وجب أن تُحمَل على المعنيين جميعًا؛ لأن ذلك أعمُّ وأشمل، وأبرأ للذِّمَّة وأحوط، وعلى هذا يكون هؤلاء الكفار قد أعرضوا بأنفسهم عن سبيل الله، وقد صرفوا أنفسهم عن سبيل اللّه، هؤلاء أضلَّ الله أعمالهم، مهما ظنوا أنهم على صواب فإنهم على خطإ، وهم أخسر الناس أعمالًا، كما قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (١٠٥) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا}، ولما كان القرآن الكريم مثاني تُثنَّى فيه المعاني، فإذا ذُكِر الشيء ذُكِر ما يُقابِلُه، فإذا ذُكِر الحق ذُكِر الباطل، إذا ذُكِر الكافر ذُكِر المؤمن، إذا ذُكِر الثواب ذُكِر العقاب، حتى يبقى الإنسان سائرًا في منهاجه وتصرُّفاته بين الخوف والرجاء.

لما ذكر الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه أنه أضل أعمالهم، قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} الذين آمنوا بماذا؟ آمنوا بما يجب الإيمان به، آمنوا باللّه، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

قوله تعالى: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} عملوا الأعمال الصالحات، وما هي الأعمال الصالحات؟ قال العلماء: العمل الصالح هو المبني على شيئين: الأول: الإخلاص لله، والثاني: المتابعة لرسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، وضده: العمل الفاسد، فما لم يُخلَص فيه للّه فهو عملٌ فاسدٌ، وما لم يُتَّبَع فيه رسول اللّه فهو عملٌ فاسدٌ، ودليل ذلك: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عن ربه: "قَالَ اللّهُ تَعَالَى: أنَا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيْهِ مَعِيَ غيرِي ترَكْتُهُ وَشِرْكَهُ"، ما الذي اختلَّ في هذا؟ الإخلاص، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"، وفي لفظٍ: "مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ"، ما الذي اختلَّ من هذا؟ المتابعة.

<<  <   >  >>