للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:

نقول: إذا كان المقصود بالتخيير للتيسير، فهو تشهٍّ، وإذا كان التخيير بالتصرُّف للغير، فهو مصلحيٌّ، ولي أمر المسلمين يُخيَّر بين هذا وهذا؛ هل هو للتيسير عليه، أو لمصلحة المسلمين؟ لمصلحة المسلمين، فيجب أن يختار ما هو أصلح من المال أو الافتداء.

إذا خيَّرنا وليَّ يتيم بين نوعين من التصرُّف، وقلنا لولي اليتيم أن يفعل كذا أو كذا، فما نوع هذا التخيير؟ يعني: يُخيَّر ولي اليتيم بين أن يفتح مُتَّجَرًا بمال اليتيم، وبين أن يعطيه شخصًا ثقة مُضاربة؛ ما نوع هذا التخيير؟ مصلحيٌّ، لكن لو قلنا لإنسان لزِمَته كفارة يمين: أطعِم عشرة مساكين، أو اكسُ، أو أعتِق رقبة، المقصود: التيسير، فهو تخيير تشهٍّ.

قال اللّه عز وجل: {ذَلِكَ} يعني: الحكم {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} لو شاء الله عز وجل لانتصر من الكفار، وكفى المؤمنين القتال، ولكنه بحكمته جعل الأمر سجالًا بين المسلمين والكفار ليبلوا بعضهم ببعض، وإذا نظرنا إلى هذه السنة وجدنا أنها سنة مُضطردة، يبلوا الله الناس بعضهم ببعض، فينصر هؤلاء أحيانًا، وينصر هؤلاء أحيانًا، ولو شاء الله عز وجل لانتصر من الكفار، فأهلكهم وأبادهم جميعًا بكلمة واحدة، لكن هذا يفوت به مصالح كثيرة، منها: حكمة الله عز وجل؛ لأن من حكمة اللّه أن تبقى الأرض بين مؤمن وكافر، لو كان الناس كلهم مؤمنين، لم يكن للإيمان تلك القيمة، لكن إذا كان هناك طريقان: طريق كفر، وطريق إيمان هنا يتبيَّن ويتميَّز فضل الإيمان، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لسُدَّ باب الجهاد، لو كان كل الناس مُطيعين انقفل باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه لا منكر، وحينئذٍ لا نهي عن منكر، ولا إخلال بمعروف، وحينئذٍ لا أمر بالمعروف، ولكن من حكمة الله عز وجل أن جعل العباد منهم مؤمن ومنهم كافر ليبلوا بعضهم ببعض: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}.

<<  <