فِي لَيْلَةٍ وَرَدَتْ عَلَيّ هُمُومُهَا ... طَوْرًا أَخِنّ وَتَارَةً أَتَمَلْمَلُ
وَاعْتَادَنِي حُزْنٌ فَبِتّ كَأَنّنِي ... بِبَنَاتِ نَعْشٍ وَالسّمَاكِ مُوَكّلُ
وَكَأَنّمَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَى ... مِمّا تَأَوّبَنِي شِهَابٌ مُدْخَلُ
وَجْدًا عَلَى النّفَرِ الّذِينَ تَتَابَعُوا ... يَوْمًا بِمُؤْتَة أُسْنِدُوا لَمْ يُنْقَلُوا
صَلّى الْإِلَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فِتْيَةٍ ... وَسَقَى عِظَامَهُمْ الْغَمَامُ الْمُسَبّلُ
صَبَرُوا بِمُؤْتَة لِلْإِلَهِ نُفُوسَهُمْ ... حَذَرَ الرّدَى وَمَخَافَةَ أَنْ يَنْكُلُوا
فَمَضَوْا أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ كَأَنّهُمْ ... فُنُقٌ عَلَيْهِنّ الْحَدِيدُ الْمُرْفَلُ
ــ
الطّبَابُ جَمْعُ طِبَابَةٍ وَهِيَ سَيْرٌ بَيْنَ خَرَزَتَيْنِ فِي الْمَزَادَةِ فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُحْكَمٍ وَكَفَ مِنْهُ الْمَاءُ وَالطّبَابُ أَيْضًا: جَمْعُ طَبّةٍ وَهِيَ شِقّةٌ مُسْتَطِيلَةٌ.
وَقَوْلُهُ طَوْرًا أَخِنّ. الْخَنِينُ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ حَنِينٌ بِبُكَاءِ فَإِذَا كَانَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَلَيْسَ مَعَهُ بُكَاءٌ وَلَا دَمْعٌ
الِاسْتِقَاءُ لِلْقُبُورِ عِنْدَ الْعَرَبِ
وَقَوْلُهُ: وَسَقَى عِظَامَهُمْ الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ يَرُدّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنّمَا اسْتَسْقَتْ الْعَرَبُ لِقُبُورِ أَحِبّتِهَا لِتَخْصَبَ أَرْضُهَا فَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى الِانْتِقَالِ عَنْهَا لِمَطْلَبِ النّجْعَةِ فِي الْبِلَادِ. وَقَالَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ فَهَذَا كَعْبٌ يَسْتَسْقِي لِعِظَامِ الشّهَدَاءِ بِمُؤْتَة وَلَيْسَ مَعَهُمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ
سَقَى مُطْغِيَاتِ الْمَحْلِ جُودًا وَدِيمَةً ... عِظَامَ ابْنِ لَيْلَى حَيْثُ كَانَ رَمِيمُهَا
فَقَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ رَمِيمُهَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَيْسَ مُقِيمًا مَعَهُ وَإِنّمَا اسْتِسْقَاؤُهُمْ لِأَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِرْحَامٌ لَهُمْ لِأَنّ السّقْيَ رَحْمَةٌ وَضِدّهَا عَذَابٌ.
وَقَوْلُهُ كَأَنّهُمْ فُنُقٌ جَمْعُ: فَنِيقٍ وَهُوَ الْفَحْلُ كَمَا قَالَ الْآخَرُ وَهُوَ طُخَيْمٌ
مَعِي كُلّ فَضْفَاضِ الرّدَاءِ كَأَنّهُ ... إذَا مَا سَرَتْ فِيهِ الْمُدَامُ فَنِيقُ