للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النّاسُ تِلْكَ اللّيْلَةَ وَقَالُوا: نَنْظُرُ فَإِنْ أُصِيبَ لَمْ نَهْدِمْ مِنْهَا شَيْئًا وَرَدَدْنَاهَا كَمَا كَانَتْ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ فَقَدْ رَضِيَ اللهُ صُنْعَنَا، فَهَدَمْنَا. فَأَصْبَحَ الْوَلِيدُ مِنْ لَيْلَتِهِ غَادِيًا عَلَى عَمَلِهِ فَهَدَمَ وَهَدَمَ النّاسُ مَعَهُ حَتّى إذَا انْتَهَى الْهَدْمُ بِهِمْ إلَى الْأَسَاسِ أَسَاسِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَفْضَوْا إلَى حِجَارَةٍ خُضْرٍ كَالْأَسْنِمَةِ آخِذٌ بَعْضُهَا بَعْضًا.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ يَرْوِي الْحَدِيثَ أَنّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ، مِمّنْ كَانَ يَهْدِمُهَا، أَدْخَلَ عَتَلَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ مِنْهَا لِيَقْلَعَ بِهَا أَحَدَهُمَا، فَلَمّا تَحَرّكَ الْحَجَرُ تَنَقّضَتْ مَكّةُ بِأَسْرِهَا، فَانْتَهَوْا عَنْ ذَلِكَ الْأَسَاسِ.

ــ

الْأَرْضِ، فَكَانَ لَا يُصْعَدُ إلَيْهَا إلّا فِي دَرَجٍ أَوْ سُلّمٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَوّلَ مَنْ عَمِلَ لَهَا غَلَقًا، وَهُوَ تَبَعٌ. ثُمّ لَمّا بَنَاهَا ابْنُ الزّبَيْرِ زَادَ فِيهَا تِسْعَ أَذْرُعٍ، فَكَانَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَعَلَى ذَلِكَ هِيَ الْآنَ وَكَانَ بِنَاؤُهَا فِي الدّهْرِ خَمْسَ مَرّاتٍ. الْأُولَى: حِينَ بَنَاهَا شِيثُ بْنُ آدَمَ وَالثّانِيَةُ حِينَ بَنَاهَا إبْرَاهِيمُ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْأُولَى، وَالثّالِثَةُ حِينَ بَنَتْهَا قُرَيْشٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِخَمْسَةِ أَعْوَامٍ وَالرّابِعَةُ حِينَ احْتَرَقَتْ فِي عَهْدِ ابْنِ الزّبَيْرِ بِشَرَارَةِ طَارَتْ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ، فَوَقَعَتْ فِي أَسْتَارِهَا، فَاحْتَرَقَتْ وَقِيلَ إنّ امْرَأَةً أَرَادَتْ أَنْ تُجَمّرَهَا، فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ الْمِجْمَرِ فِي أَسْتَارِهَا، فَاحْتَرَقَتْ فَشَاوَرَ ابْنُ الزّبَيْرِ فِي هَدْمِهَا مَنْ حَضَرَهُ فَهَابُوا هَدْمَهَا، وَقَالُوا: نَرَى أَنْ تُصْلَحَ مَا وَهَى، وَلَا تُهْدَمَ. فَقَالَ لَوْ أَنّ بَيْتَ أَحَدِكُمْ احْتَرَقَ لَمْ يَرْضَ لَهُ إلّا بِأَكْمَلِ صَلَاحٍ. وَلَا يَكْمُلُ إصْلَاحُهَا إلّا بِهَدْمِهَا. فَهَدَمَهَا حَتّى أَفْضَى إلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا فِي الْحَفْرِ. فَحَرّكُوا حَجَرًا فَرَأَوْا تَحْتَهُ نَارًا وَهَوْلًا. أَفْزَعَهُمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقِرّوا الْقَوَاعِدَ وَأَنْ يَبْنُوا مِنْ حَيْثُ انْتَهَى الْحَفْرُ. وَفِي الْخَبَرِ أَنّهُ سَتَرَهَا حِينَ وَصَلَ إلَى الْقَوَاعِدِ فَطَافَ النّاسُ بِتِلْكَ الْأَسْتَارِ فَلَمْ تَخْلُ قَطّ مِنْ طَائِفٍ حَتّى لَقَدْ ذُكِرَ أَنّ يَوْمَ قَتْلِ ابْنِ الزّبَيْرِ اشْتَدّتْ الْحَرْبُ وَاشْتَغَلَ النّاسُ فَلَمْ يُرَ طَائِفٌ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ إلّا جَمَلٌ يَطُوفُ بِهَا، فَلَمّا اسْتَتَمّ بُنْيَانُهَا، أُلْصِقَ بَابُهَا بِالْأَرْضِ وَعَمِلَ لَهَا خَلْفًا أَيْ بَابًا آخَرَ مِنْ وَرَائِهَا، وَأَدْخَلَ الْحِجْرَ فِيهَا، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ حَدّثَتْهُ بِهِ خَالَتُهُ عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنّهُ قَالَ: "أَلَمْ تَرَيْ قَوْمَك حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ حِين عَجَزَتْ بِهِمْ النّفَقَةُ" ثُمّ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: "لَوْلَا حِدْثَانُ عَهْدِ قَوْمِك بِالْجَاهِلِيّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>