للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَكْرَمْتُ" (١). قال الله ﷿: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠)(٢).

وَ"بَعْدُ" مَنْصُوبٌ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ مِنْ زَمَانٍ مُضَافٍ إِلَى الْحَمْدِ. وَ"قَبْلُ وَبَعْدُ" إِذَا أُضِيفَتَا أُعْرِبَتَا، وَإِذَا أُفْرِدتا بُنِيَتَا عَلَى الضَّمِّ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ بَابِهِمَا وَمُفَارَقَتِهِمَا طَرِيقَتَهُمَا وَتَضَمُّنِهِمَا مَعْنَى الْمَحْذُوفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِمَا، فَإِنْ نُكِّرَا لَمْ يُبْنَيَا وَأُعْرِبَا لِزَوَالِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِبِنَائِهِمَا فِي حَالِ التَّعْرِيفِ.

ط: "قَبْلُ وَبَعْدُ" لَا يُضَافَانِ إِلَّا إِلَى الْمُفْرَدِ أَوْ مَا فِي حُكْمِ الْمُفْرَدِ، فَالْمُفْرَدُ: جِئْتُكَ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَبَعْدَ خُرُوجِ زَيْدٍ. وَالَّذِي فِي حُكْمِ الْمُفْرَدِ: جِئْتُكَ بَعْدَمَا خَرَجَ زَيْدٌ، وَبَعْدَ أَنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَهَذَا الْكَلَام، وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً، فَهُوَ فِي تَأْوِيلِ الْمُفْرَدِ، تَقْدِيرُهُ: جِئْتُكَ بَعْدَ خُرُوجِ زَيْدٍ، وَبَعْدَ أَذَانِ الْمُؤَذِّنِ.

وَ"بَعْدُ" يَنْتَصِبُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ مَا تَضَمَّنَتْهُ "أَمَّا" مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَتَقْدِيرُهُ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ حَمْدِ اللهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ "رَأَيْتُ" عَلَى مَعْنَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ: "فَإِنِّي رَأَيْتُ بَعْدَ حَمْدِ اللهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ﷿: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)(٣). وَلَا يَصِحُّ عِنْدِي نَصْبُ "الْيَتِيمِ" و"السَّائِلِ"، لما تَضَمَّنَتْ "أَمَّا" مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، كَمَا يَصِحُّ فِي قَوْلِهِ: أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللهِ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِي تَعْمَلُ فِي الظُّرُوفِ، [وَلَا تَعْمَلُ فِي الْمَفْعُولَاتِ الصِّحَاحِ، فَأَمَّا] (٤) إِعْمَالُ مَعْنَى الشَّرْطِ فِي "أَمَّا" فِي قَوْلِهِ: بَعْدَ حَمْدِ اللهِ (٥)، جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ، وَإِعْمَالُ "رَأَيْتُ" رَأَيٌ [غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، فَأَبُو عُثْمَانَ الْمَازِنِيُّ] (٦) لا يُجِيزُهُ لِأَنَّ [خَبَرَ "إِنَّ" لَا


(١) الكتاب: ٢/ ١٩٥.
(٢) سورة الضحى (٩٣): الآيتان ٩ - ١٠.
(٣) سورة الضحى (٩٣): الآية ٩.
(٤) بياض ٣ كلمات في (خ) والزيادة من الاقتضاب: ١/ ٢٩.
(٥) أدب الكتاب: ٥.
(٦) بكر بن محمد بن حبيب بن بقية، أبو عثمان المازني، من مازن شيبان، أحد أئمة النحو البصريين، توفي سنة (٢٤٩ هـ)، له كتب منها: ما تلحن فيه العامة، التصريف، الديباج. معجم الأدباء: ٤/ ١٠٨؛ إنباء الرواة: ١/ ٢٨١؛ الأعلام: ٢/ ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>