للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْمَلُ] (١) عِنْدَهُ فِيمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: زَيْدًا إِنَّكَ ضَارِبٌ، عَلَى مَعْنَى إِنَّكَ [ضارب زيدًا] (٢)، وَكَذَلِكَ لَا يُجِيزُ: أَمَّا زَيْدًا فَإِنَّكَ ضَارِبٌ.

وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرَّدُ (٣) يُجِيزُ أَنْ يَعْمَلَ خَبَرُ "إِنَّ" فِيمَا قَبْلَهَا مَعَ "أَمَّا"، وَلَا يُجِيزُهُ [ .. ] (٤) غَيْرِهَا.

وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ "أَمَّا" وُضِعَتْ لِيُقَدَّمَ مَعَهَا عَلَى الْفَاءِ مَا كَانَ مُؤَخَّرًا بَعْدَ الْفَاءِ، أَلَّا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَزَيْدٌ مُنْطَلِقٌ، فَتَجِدُ زَيْدًا بَعْدَ الْفَاءِ، وَإِذَا قُلْتَ: أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ، وَجَدْتَهُ قَبْلَ الْفَاءِ، فَلَمَّا كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِمَعْنَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، جَازَ مَعَهَا مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَجُزْ مَعَ غَيْرِهَا.

وَمِنَ الْحُجَّةِ أَنَّهُ لَوِ اسْتَحَالَ أَنْ يَعْمَلَ خَبَرُ "أَنَّ" فِيمَا قَبْلَهَا مَعَ أَمَّا، لَمَا جَازَ أَنْ يَعْمَلَ مَا بَعْدَ الْفَاءِ فِيمَا قَبْلَهَا في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)(٥)؛ لأَنَّ الْفَاءَ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِتْبَاعِ، فَهِيَ تُرَتِّبُ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ لِمَا بَعْدَهَا أَنْ يُنْوَى بِهِ التَّقْدِيمُ عَلَى مَا قَبْلَهَا. فَكَمَا جَازَ لِمَا بَعْدَ الْفَاءِ أَنْ يَعْمَلَ فِيمَا قَبْلَهَا مَعَ "أَمَّا"، كَذَلِكَ فِي خَبَرِ أَنَّ مَعَهَا، وَالْمَازِنِيُّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْفَاءِ وَ"أَنَّ" لِوُجُودِ مَا بَعْدَ الْفَاءِ يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا مَعَ غَيْرِ "أَمَّا" نَحْوَ قَوْلِكَ: زَيْدًا فَاضْرِبْ وَبِعَمْرٍو فَامْرُرْ. وَلَمْ يُوجَدْ خَبَرُ "إِنَّ" يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا مَعَ غَيْرِ "أَمَّا"، فَنَقِيسَ "أَمَّا" عَلَيْهِ" (٦).


(١) الزيادة من الاقتضاب: ١/ ٣٠.
(٢) بياض في الأصل (خ) وما أثبتناه من الاقتضاب: ١/ ٣٠.
(٣) محمد بن يزيد بن عبد الأكبر، أبو العباس المبرد، الثمالي الأزدي، قرأ كتابه سيبويه على الجرمي مولده بالبصرة سنة (٢١٠ هـ) ووفاته ببغداد سنة (٢٨٦ هـ). من كتبه: الكامل، المقتضب، إعراب القرآن. إنباه الرواة: ٣/ ٢٤١؛ وفيات الأعيان: ٣/ ٣١٣؛ بغية الوعاة: ١١٦.
(٤) بياض كلمتين في الأصل (خ).
(٥) سورة الضحى (٩٣): الآية ٩.
(٦) الاقتضاب: ١/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>