للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

د: "اخْتَارَهُ أَيْضًا ابْنُ السَّرَّاجِ (١) كَرَاهِيَةَ أَنْ يُقَدَّمَ مَعْمُولُ "إِنَّ" عَلَيْهَا، وَالَّذِي سَهَّلَ عند سيبويه أَنْ يَجْعَلَ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقًا بِالْخَبَرِ، مَا تَقْتَضِيهِ "أَمَّا" مِنْ مَعْنَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ" (٢).

ط: "وَمِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يُجِيزُ: أَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّكَ خَارِجٌ، وَلَا يُجِيزُ: أَمَّا زَيْدًا فَإِنَّكَ ضَارِبٌ؛ لأنَّ الظُّرُوفَ يَتَّسِعُ فِيهَا مَا لَا يَتَّسِعُ فِي غَيْرِهَا" (٣).

د: أبو علي: إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِأَنَّ الْحَالَ وَالظَّرْفَ يَعْمَلُ فِيهِمَا الْمَعْنَى، وَأَمَّا تَقْدِيمُ مَا يَتَعَلَّقُ بَعْدَ الْفَاءِ نَحْوَ: أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ، فَتَحْسِينٌ لِلَّفْظِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَاطِفَةَ وَالْمَجَازِيَةَ لَا يَلِيَانِ إِلَّا الْأَسْمَاءَ الْمُفْرَدَةَ أَوِ الْجُمَلَ، وَلَا يَلِيَانِ الْحُرُوفَ.

ط: "وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَدَّمَ مَعَ "أَمَّا" قَبْلَ الْفَاءِ مَا كَانَ مُؤَخَّرًا بَعْدَها مَعَ "مَهْمَا" لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ "أَمَّا" كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَها فِعْلُ الشَّرْطِ كَمَا يَظْهَرُ مَعَ "مَهْمَا"، فَلَمَّا حُذِفَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَا، قُدِّمَ بَعْضُ الْكَلَامِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْفَاءِ لِيَكُونَ كَالْعَوَضِ مِنَ الْمَحْذُوفِ. وَالثَّانِي: أَنَّ "الْفَاءِ" إِنَّمَا وُضِعَتْ لِلْإِتْبَاعِ، وَلَمْ تُوْضَعْ لِتَكُونَ مُسْتَأْنِفَةً، وَالاتْبَاعُ فِيهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: إِمَّا إِتْبَاعُ اسْمٍ مُفْرَدٍ لِاسْمٍ مُفْرَدٍ، كَقَوْلِكَ: قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرُو. وَإِمَّا إِتْبَاعُ جُمْلَةٍ لِجُمْلَةٍ كَقَوْلِكَ: قُمْتُ فَضَرَبْتُ زَيْدًا، فَلَوْ قُلْتَ: أَمَّا فَزَيْدٌ مُنْطَلِقٌ، لَوقَعَتِ الْفَاءُ مُسْتَأْنِفَةً لَيْسَ قَبْلَهَا اسْمٌ وَلَا جُمْلَةٌ يَكُونُ مَا بَعْدَهَا تَابِعًا لَهُ، "إِنَّمَا" قَبْلَهَا حَرْفُ مَعْنَى لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ فَائِدَةٌ، فَقَدَّمُوا الاسْمَ لِذَلِكَ، فَقَالُوا: أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ، لِيَكُونَ مَا بَعْدَهَا تَابِعًا بِنَفْسِهِ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ فَائِدَةٌ، فَقَدَّمُوا الْاسْمَ لِذَلِكَ، فَقَالُوا:


(١) محمد بن السري بن سهل، أبو بكر، أحد أئمة الأدب واللغة من أهل بغداد يقال: ما زال النحو مجنونًا حتى عقله ابن السراج بأصوله، مات شابًّا سنة (٣١٦ هـ)، له تصانيف أهمها: الأصول في النحو، شرح كتاب سيبويه. نزهة الألباء: ٣١٣؛ إنباه الرواة: ٣/ ١٤٥؛ الوفيات: ٤/ ٣٣٩؛ بغية الوعاة: ١/ ١٠٩؛ الأعلام: ٦/ ١٣٦.
(٢) الكتاب لسيبويه: ٣/ ٧٤.
(٣) الاقتضاب: ١/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>