للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وَ "السَّرْحَةُ" في بَيْتِ حُمَيْدٍ (١) كِنايةٌ عَنِ امْرَأَةٍ. وَكَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عَهِدَ إِلَى الشُّعَرَاءِ أَلَّا يَنْسُبَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِامْرَأَةٍ وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ الشُّعَرَاءِ يَكْنُونَ عَن النِّسَاءِ بِالشَّجَرِ وَغَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ حُمَيْدٌ قَبْلَ هَذَا البَيْتِ: (طويل)

سَقَى السَّرْحَةَ المِحْلَالَ وَالأَبْرَقَ الَّذِي … بِهِ الشَّرْيُ غَيْثٌ دَائِمٌ وَبُرُوقُ (٢)

وَهَل أنا إِنْ عَلَّلْتُ نَفْسِي بِسَرْحَةٍ … مِنَ السَّرْحِ مَوْجُودٌ عَلَيَّ طَرِيقُ

و"السَّرْحَة": شَجَرَةٌ مِنَ العِضَاءِ تَطُولُ فِي السَّمَاءِ، وَجَمْعُهَا: سَرْحٌ وَظِلُّهَا بَارِدٌ فِي الحَرِّ. وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ: (طويل)

فَيَا سَرْحَةَ الرُّكْبَانِ ظِلُّكِ بَارِدٌ … وَمَائُكِ عَذْبٌ لَوْ يُبَاحُ لِشَارِبِ (٣)

وَ"الأَفْنَانُ": الأَغْصَانُ، وَاحِدُهَا فَنَنٌ. وَالأَفْنَانُ أَيْضًا: الأَنْوَاعُ، وَاحِدُهَا فَنٌّ. وَ "تَرُوقُ": تُعْجِبُ.

وَإِنَّمَا جَعَلَ "عَلَى" فِي هَذَا البَيْتِ زَائِدَةً، لأَنَّ رَاقَ يَرُوقَ لَا يُحْتَاجُ فِي تَعَدِّيهِ إِلَى حَرْفِ جَرٍّ، إِنَّمَا تَقُولُ: رَاقَنِي الشَّيْءَ يَرُوقُنِي، فَالمَعْنَى: تَرُوقُ كُلَّ أَفْنَانٍ، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ "عَلَى" هَاهُنَا لأَنَّهَا إِذَا رَاقَتْها كَانَ لَهَا فَضْلٌ وَشَرَفٌ عَلَيْهَا.

وَقَدْ يُمْكِنُ فِي هَذَا البَيْتِ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ أَنْ يُقَدَّرَ فِي الكَلَامِ مَحْذُوفٌ. كَأَنَّهُ قَالَ: أَبى الله إلَّا أَنَّ أَفْنَانِ سَرْحَةِ مَالِكٍ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: "عَلَى كُلِّ أَفْنَانِ العِضَاهِ" فِي وُضِع خَبَرِ "أَنَّ كَمَا تَقُولُ: أبى الله إلا أَنَّ فَضْلَ زَيْدٍ عَلَى كُلِّ فَضْلٍ، أَيْ: فَوْقَ كُلِّ فَضْلٍ، أَوْ ظَاهِرٌ عَلَى كُلِّ فَضْلٍ. وَيَكُونُ "تَرُوقُ" خَبْرًا ثَانِيًا، لأَنَّ "أَوْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الحَالِ.


(١) أنشده ابن قتيبة في أدب الكتّاب: ٥٢٣.
(٢) ديوانه: ٤٠ - ٤١. ويروى: "وهل أنا". شرح الجواليقي: ٢٧١؛ الاقتضاب: ٣/ ٣٩٨.
(٣) النبات لأبي حنيفة: ٢/ ٣٥. ويروى: "لا يحل لوارد" اللسان: (سرح). الاقتضاب: ٣/ ٣٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>