(وبعد) فقد اطلعت على هذه الرسالة * الحاوية لأنواع البسالة * فوجدتها فريدة في هذا الباب * مستجمعة لتحقيقات أولى الألباب * الذين نصبوا أنفسهم لنفع العباد، وأسهروا أجفانهم حتى ظفروا بالسداد * ودونوا باستنباطهم هذا الدين * وحسنوه بالآيات والأحاديث الواردة عن سيد المرسلين فمن تمسك بأقوالهم فاز ونجا * ومن أعرض عنها لم يزل صدره ضيقا حرجا * فنعوذ بالله من ضيق الصدور * ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور * وحين سرحت الطرف في رياض بلاغاتها * ورويت بالكرع من رحيق استعاراتها * انشدت * ولا بدع فيما اوردت *
فوالله ما أدرى أزهر خميلة * بطر سكر أم در يلوح على نحر
فإن كان زهرا فهو صنع سحابة * وإن كان درا فهو من لجة البحر
فلله در منشيها * ومحلى فصاحتها ومبديها * فلقد أتى بها بما يشفى العليل * ولم يدع للمعاند عليه من سبيل * على حداثة سنه * وعدم المساعد له على ما أوراه من جودة ذهنه * مستندا بذلك إلى أقوال ثقات الأئمة * الذين هم هداة هذه الأمة * وما قاله هو الحق الذي اتفق عليه أهل الكمال * وماذا بعد الحق إلا الضلال * فسبحان من خصه بهذه المزية * وأقدره على جمع ما تشتت من المسائل الفقهية * فمن كان ذا بصيرة ولم يغلب عليه الهوى والطمع في حطام الدنيا وتأمل ما ذكر * وأمعن النظر فيما زبر * لم يخف عليه أن الاقتداء بالسلف واجب الاتباع * وأن ما أحدثه غيرهم بالاستحسان والرأي متعين الامتناع * فليس لعاقل أن يصير إليه * ولا أن يعول عليه * بل يجب طرحه وان جل قائله * أو عظم في أعين الناس فاعله * إذ كل خير في الاتباع * وكل شر منشؤه الابتداع * ولا ريب أن من أنكر ذلك * ولم يعرج على ما هنالك * فقد سجل على نفسه بغباوة لبه * وسخافة عقله ومرض قلبه * فالله المستعان على من غلبت شهوته على ديانته * وفتن فيما ينقدح في ذهنه ولم يرتدع عن غيه ووقاحته * ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
قاله بفمه ورقمه بقلمه أفقر الورى
مصطفى السيوطي الحنبلي
غفر الله له ولوالديه
آمين
الحمد لله الذي زين السماء بالكواكب * وجعل العلماء سرجا يستضاء بهم في النوائب * وألهم من عباده من شاء لإيقاظ النائمين * ونصب من أراد منهم لإنقاذ الهالكين *