للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتوبة الاثم ولهذا ورد من سب نبيا فاقتلوه * فجوابه أن لفظ العفو إنما اعتبر لا دلالة على الرضا بالسقوط وقد علم من كرمه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه لا ينتقم لنفسه وانه أرحم لامته من انفسهم إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى فينتقم الله وإذا صار ذلك حقالله تعالى سقط بالتوبة * وحديث من سب نبيا فاقتلوه مثل حديث من بدل دينه فاقتلوه فإن معناه مالم يتب باتفاق معظم المجتهدين فلا دلالة فيه على قتل المرتد مطلقًا فكذلك الساب وأيضًا فإن القتل ليس لخصوص السب عندنا بل لكونه من جزئيات الردة الموجبة للقتل وإلا لكان حده القتل وإن كان ذميًا والمذهب خلافه كما مر * ولو سلم أن السب علة القتل فمعلوم أنه إنما كان علة لما تضمينه من الكفر والردة وكل مرتد تقبل توبته فكذلك هذا * وكون العلة هي ذات السب مع قطع النظر عن كونه كفرًا حتى لو فرض سب بلا كفر يكون موجبًا للقتل فيبقى أثره بعد التوبة ولا يزول إلا بالقتل يحتاج إلى دليل خاص وفى اثباته تسكب العبرات والا لما ساغ المجتهد فيه خلاف * واما من أمر صلى الله تعالى عليه وسلم بقتلهم مثل كعب بن الاشرف وابي رافع وابن اخطل وغيرهم ممن اهدر دمه يوم فتح مكة فإنهم كانوا كفارًا ولا يثبت المطلوب إلا إذا ثبت أن أحدهم أسلم ثم اهدر صلى الله تعالى وسلم دمه ودونه خرط القتاد واسلام ابن أبي سرح لم يثبت كما مر فلم يكن أراد قتله بعد إسلامه وإنما أراد ذلك في حال ردته * وإما حكاية الاجماح على قتل الساب فإنما ذلك قبل التوبة بدليل قول الحاكين للاجماع ومن شك في كفره وقتله كفر إذ لا يصح ذلك بعد التوبة لقول كثير من المجتهدين بعدم قتله وكفره بعد التوبة * فلم يثبت دليل على قتله بعد التوبة وإن (وصلية) قلنا أن ذلك حق ادمى * كيف والدليل قام على خلافه وهو قوله صلى الله تعالى عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله فإن كلمة ما عامة قيدخل فيها ما كان حقه فيكون ذلك عفوا منه صلى الله تعالى عليه وسلم بمنزلة قوله من أسلم عفوت عنه * ويؤيده كما قال الإمام السبكى أنه ورد فى قصة هبار بن الاسود بن عبد المطلب وكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بقتله ثم جاء ووقف عليه وتلفظ بالشهادتين وقال قد كنت مولعًا فى سبك واذاك وكنت مخذولًا فاصفح عنى قال الزبير رضى الله تعالى عنه فجعلت انظر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإنه ليطاطى رأسه مما يعتذر هبار و جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول قد عفوت عنك والاسلام يجب ما كان قبله فهذا يقتضى العموم وانه يجب ما كان قبله من السب وغيره وإن لم يكن هبار حين السب مسلمًا فإن العبرة لعموم اللفظ * فإن فرضننا أن قتل الساب حق آدمى وهو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقد جعل إسلامه عفوا عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>