المفهوم حجة على ما قررناه إذا لم يخالف صريحا فإن الصريح مقدم على المفهوم كما صرح به الطرسوسي وغيره وذكره الاصوليون في ترجيح الادلة فإن القائلين باعتبار المفهوم في الادلة الشرعية إنما يعتبرونه إذا لم يأت صريح بخلافه فيقدم الصريح ويلغى المفهوم والله تعالى أعلم.
والعرف في الشرع له اعتبار … لذا عليه الحكم قد يدار
قال في المستصفى العرف والعادة ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول انتهى وفي شرح التحرير العادة هي الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية انتهى (وفى) الأشباه والنظائر السادسة العادة محكمة واصلها قوله صلى الله تعالى عليه وسلم (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن) واعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلا فقالوا تترك الحقيقة بدلالة الاستعمال والعادة ثم ذكر في الأشباه اما العادة إنما تعتبر إذا اطردت أو غلبت ولذا قالوا في البيع لو باع بدراهم أو دنانير في بلد اختلف فيها النقود مع الاختلاف في المالية والرواج انصرف البيع إلى الاغلب قال في الهداية لانه هو المتعارف فينصرف المطلق إليه اهـ وفى شرح البيرى عن المبسوط الثابت بالعرف كالثابت بالنص اهـ (ثم اعلم) أن كثيرا من الأحكام التي نص عليها المجتهد صاحب المذهب بناء على ما كان في عرفه وزمانه قد تغيرت بتغير الازمان بسبب فساد أهل الزمان أو عموم الضرورة كما قدمناه من افتاء المتأخرين بجواز الاستئجار على تعليم القرآن وعدم الاكتفاء بظاهر العدالة مع أن ذلك مخالف لما نص عليه أبو حنيفة ومن ذلك تحقق الاكراه من غير السلطان مع مخالفته لقول الإمام بناء على ما كان في عصره أن غير السلطان لا يمكنه الاكراه ثم كثر الفساد فصار يتحقق الاكراه من غيره فقال محمد باعتباره وافتى به المتأخرون * ومن ذلك تضمين الساعى مع مخالفته لقاعدة المذهب من أن الضمان على المباشر دون المتسبب ولكن افتوا بضمانه زجرا لفساد الزمان بل افتوا بقتله زمن الفترة. ومنه تضمين الاجير المشترك * وقولهم أن الوصى ليس له المضاربة بمال اليتيم في زماننا * وافتاؤهم بتضمين الغاصب عقار اليتيم والوقف * وعدم اجارته أكثر من سنة في الدور وأكثر من ثلاث سنين في الاراضى مع مخالفته لأصل المذهب من عدم الضمان وعدم التقدير بمدة * ومنعهم القاضى أن يقضى بعلمه وافتاؤهم بمنع الزوج من السفر بزوجته وإن اوفاها المعجل لفساد الزمان، وعدم سماع قوله أنه استثنى بعد الحلف بطلاقها الابينة مع أنه خلاف ظاهر الرواية وعللوه بفساد الزمان. وعدم تصديقها